ورفعنا إلى الموضع المعهود، فحضرت وأقبلت وسلمت، فلما رآها المأمون بهت في حسنها وجمالها وأخذت تذاكره وتناشده الأشعار، ثم أحضرت النبيذ فشربنا، وهي مقبلة عليه مسرورة به، وهو أكثر، فأخذت العود وغنت صوتاً، ثم قالت: وابن عمك هذا من التجار، وأشارت إلي.
قلت: نعم.
قال: والله إنكما لقريبان.
فلما شرب المأمون ثلاثة أرطال داخله الفرح والطرب، فصاح وقال: يا إسحاق! قلت: لبيك يا أمير المؤمنين.
قال: عن هذا الصوت؟ فلما علمت أنه الخليفة نهضت إلى مكان فدخلته، فلما فرغت من الصوت قال: انظر من رب هذه الدار؟ فبادرت العجوز وقالت: للحسن بن سهل.
فقال: علي به.
فغابت العجوز ساعة، وإذا الحسن قد حضر.
فقال له المأمون: ألك ابنة؟ قال: نعم.
قال: ما اسمها؟ قال: بوران.
قال: أمتزوجة؟ قال: لا والله.
قال: فإني أخطبها منك.
قال: هي جاريتك وأمرها إليك.
قال: قد تزوجتها على نقد ثلاثين ألفاً، تحمل إليك صبيحة يومنا هذا، فإذا قبضت المال فاحملها إلينا من ليلتنا.
قال: نعم. ثم خرجنا فقال: يا إسحاق لا توفق على هذا الحديث أحداً.
فسترته إلى أن مات المأمون فما اجتمع لأحد مثل ما اجتمع لي في تلك الأربعة أيام مجالسة المأمون بالنهار وبوران بالليل، ووالله ما رأيت أحداً من الرجال مثل المأمون ولا شاهدت امرأة تقارب بوران فهماً وعقلاً والله تعالى أعلم، انتهى من حلية الكميت.