فطلبت منهم وتراً قدر شبر من جلد يحمور وشيئاً من دهن السذاب البري، فأتوا بهما فشددت إبهامي يدي الشابة شداً وثيقاً، فلما فعلت بها ذلك صاح قائلاً: وأنا علمتك على نفسي، ثم قطرت من الدهن في أنفها الأيمن أربعاً وفي الأيسر ثلاثاً فخر من قوته ميتاً، وشفى الله تلك الشابة ولم يعاودها بعدها شيطان.
[الحاكم بأمر الله وصاحب البستان]
وحكى القاضي شهاب الدين فضل الله في كتابه مسالك الأنصار في ممالك الأمصار، في ترجمة الحاكم بأمر الله أبي علي منصور، قال: بينما هو في موكبه قبلي بركة الحبش، إذ مر برجل على بستان له وحوله عبيده، فاستسقاه ماء فسقاه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، قد أطمعتني في السؤال، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكرمني بنزوله لأحظى بتمام السعد؟ فأجابه لذلك ونزل بجيشه، فأخرج الرجل مائة بساط ومائة نطع ومائة وسادة ومائة طبق فاكهة ومائة جام حلوى ومائة زبدية سكرية، فبهت الحاكم وقال: أيها الرجل، خبرك عجيب، هل علمت بنا فأعددت هذا؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، وإنما أنا تاجر من رعيتك لي مائة محظية، فلما أكرمتني بالنزول عندي أخذت من كل واحدة شيئاً من فرشها وزائد أكلها وشربها، فإن لكل واحدة في كل يوم طبق طعام وطبق فاكهة وجام حلوى وزبدية شراب.
فسجد أمير المؤمنين شكراً لله تعالى وقال: الحمد لله الذي جعل في رعايانا من يسع حاله هذا، ثم أمر له بما، في بيت المال من الدراهم المضروبة في تلك السنة، فكانت ثلاثة آلاف ألف وسبعمائة ألف، ولم يركب حتى أحضرها وأعطاها للرجل وقال له: استعن بهذا على حالك ومروءتك، ثم ركب وانصرف.