للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

؟

[من يفعل الخير لا يعدم جوازيه]

ويحكى عن العباس صاحب شرطة المأمون، قال: دخلت إلى مجلس أمير المؤمنين ببغداد يوماً، وبين يديه رجل مكبل بالحديد، فقال لي: يا عباس؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين.

قال: خذ هذا إليك فاستوثق به واحتفظ عليه وبكر به إلي في غد واحترز عليه كل الاحتراز.

قال العباس: فدعوت جماعة حملوه ولم يقدر أن يتحرك فقلت في نفسي: مع هذه الوصية التي أوصاني بها أمير المؤمنين من الاحتفاظ به ما يجب إلا أن يكون معي في بيتي، فلما تركوه في داري أخذت أساله عن قضيته وحاله ومن هو؟ فقال: أنا من دمشق.

فقلت: جزى الله دمشق خيراً، فمن أنت من أهلها؟.

قال: وعمن تسأل؟ قلت: أوتعرف فلاناً؟ قال: ومن أين تعرف ذلك الرجل؟ فقلت: وقعت لي معه قضية.

فقال: ما كنت بالذي أعرفك خبره حتى تعرفني قضيتك معه؟ فقلت: ويحك! كنت مع بعض الولاة بدمشق فسمعت أهلها، وقد خرجوا علينا حتى أن الوالي خرج في زنبيل من قصر الحجاج، وهرب هو وأصحابه، وهربت في جملة القوم، فبينما أنا هارب في بعض الدور، وإذا بجماعة يعدون، فما زلت أعدو أمامهم حتى تجاوزتهم، ومررت بهذا الرجل الذي ذكرته لك، وهو جالس على باب داره، فقلت: يا هذا أغثني أغاثك الله؟ قال: لا بأس عليك ادخل الدار.

فدخلت، فقالت لي زوجته: ادخل تلك المقصورة.

فدخلتها ووقف الرجل على باب الدار، فما شعرت إلا وقد دخل، والرجال معه يقولون هو والله عندك.

فقال: دونكم الدار فتشوها.

ففتشوها حتى لم يبق سوى تلك المقصورة وامرأته فيها، فقالوا: ها هو هنا.

فصاحت بهم المرأة ونهرتهم، فانصرفوا، وخرج الرجل وجلس على باب داره ساعة، وأنا قائم أرجف ما تحملني رجلاي من شدة الخوف، فقالت المرأة: اجلس لا بأس عليك.

<<  <   >  >>