فجلست، فلم ألبث حتى دخل الرجل، فقال: لا تخف فقد صرف الله عنك شرهم وصرت إلى الأمن والدعة إن شاء الله.
فقلت: جزاك الله خيراً.
فما زال يعاشرني أحسن معاشرة وأجملها وأفرد لي مكاناً من داره ولم يحوجني إلى شيء ولم يفتر عن تفقد أحوالي، فأقمت عنده أربعة أشهر في أتم عيشٍ وأرغده إلى أن سكنت الفتنة وهدأت وزال أثرها، فقلت له: أتأذن لي في الخروج حتى أتفقد حال غلماني، فلعلي أقف منهم على خبر.
فأخذ علي المواثيق بالرجوع إليه، فخرجت وطلبت غلماني فلم أر لهم أثراً فرجعت إليه وأعلمته بالخبر، وهو مع هذا كله لا يعرفني بنفسه ولا يعرف من أنا، فقال لي: علام تعزم؟ فقلت: عزمت على التوجه إلى بغداد.
قال: إن القافلة بعد ثلاثة أيام تخرج.
فقلت له: إنك قد تفضلت علي هذه المدة، لك علي عهد الله إنني لا أنسى لك هذا الفضل ولأوفينك مهما استطعت.
قال: فدعا بغلام أسود وقال له: أنعل الفرس الفلاني، ثم جهز آلة السفر فقلت في نفسي: ما أشك أنه يريد أن يخرج إلى ضيعة له أو ناحية من النواحي. فأقاموا يومهم ذلك في كد وتعب، فلما كان يوم خروج القافلة جاء في السحر، فقال: يا فلان! قم، فإن القافلة تخرج الساعة، وأكره أن تنفرد عنها.
فقلت في نفسي: كيف اصنع وليس معي ما أتزود به ولا ما أكتري به مركباً، ثم قمت، فإذا هو وامرأته يحملان بقجة من أفخر اللباس وخفين جديدين وآلة السفر، ثم جاءني بسيف ومنطقة فشدهما في وسطي، ثم قدم لي غلاماً وعلى كتفه صرتان وفوقهما مرتبة السفر وسجادة من أفخر ما يكون، وأعلمني بما في الصرتين أنه خمسة آلاف درهم، وشد لي الفرس الذي أنعله بسرجه ولجامه، وقال لي: اركب، وهذا الغلام الأسود يخدمك ويسوس مركوبك، وأقبل هو وامرأته يعتذران إلي من التقصير في أمري وركب معي من يشيعني، وانصرفت إلى بغداد، وأنا أتوقع خبره لأفي بعهدي له في مجازاته ومكافاته، واشتغلت مع أمير المؤمنين فلم أقدر أن أتفرغ إلى أن أرسل إليه من يكشف خبره، فلهذا أسأل عنه.