راجعاً كما سيرته حتى إذا وصلت إلى مجلسه الذي أخذته منه فودعه وانصرف.
قال منارة: فما زلت معه حتى انتهى إلى محله، ففرح به أهله وأعطاني عطاء جزيلاً وانصرفت، والله أعلم، وهذه الحكاية على سبيل الاختصار.
[الرشيد والخليفة الثاني الكاذب]
حكي أن الخليفة هارون الرشيد قلق في بعض الليالي قلقاً شديداً فاستدعى بوزيره جعفر البرمكي وقال له: يا وزيري إن صدري ضيق ومرادي الليلة التفرج في شوارع بغداد والنظر في مصالح العباد بشرط أن لا يعرفنا أحد من الناس ونتزيا بزي تجار الأكياس.
فقال له الوزير: السمع والطاعة.
فقاموا في الوقت والساعة وقلعوا ما عليم من ثياب الملك والافتخار ولبسوا ثياب التجار: الخليفة والوزير جعفر ومسرور السياف الأكبر، وتمشوا من مكان إلى مكان حتى وصلوا إلى الدجلة فرأوا بالأمر المقدور شيخاً قاعداً في شختور، فتقدموا إليه وسلموا عليه، وقالوا: يا شيخ، نشتهي من فضلك وإحسانك أن تفرجنا الليلة في مركبك، وخذ هذين الدينارين أجرتك انتفع بهما.
فقال لهم الشيخ: ومن يقدر على الفرجة، والخليفة هارون الرشيد ينزل كل ليلة في حراقة صغيرة إلى الدجلة ومعه مناد ينادي: يا معشر الناس كافة من جيد ورديء شيخ وصبي خاص وعام عبد وغلام، كل من نزل في مركب بالليل وشق الدجلة ضربت عنقه أو يشنق على صاري مركبه، وكأنكم الساعة بالحراقة وهي مقبلة.
فقال له الخليفة هارون الرشيد وجعفر البرمكي: يا شيخ خذ هذين الدينارين وادخل بنا قبواً من هذه الأقبية إلى أن تروح الحراقة.
فقال لهم الشيخ: هاتوا الذهب والله المستعان.
فأخذ الذهب وعوم بهم قليلاً، وإذا بالحراقة قد أقبلت من كبد الدجلة وفيها الشموع والمشاعل فقل لهم الشيخ: أما قلت لكم! يا ستار لا تكشف الأستار؟
فدخل إلى قبو ووضع عليهم مئزراً أسود، وصاروا يتفرجون من تحت المئزر، وإذا بالحراقة قد أقبلت والشمع يوقد فيها، وإذا في مقدم الحراقة مشاعلي بيده مشعل من