الذهب الأحمر يوقد فيه بالعود القاقلي وعلى المشاعلي قباء أطلس أحمر بطراز مزركش أصفر وعلى رأسه شاش موصلي وعلى كتفيه مخلاة من الحرير الأخضر ملأى من العود القاقلي. وهو يوقد به عوض الحطب، ومشاعلي آخر في مؤخر الحراقة مثله، ومائتا مملوك واقفون ميمنة ومسيرة، وكرسي منصوب من الذهب الأحمر وعليه شاب حسن جالس كالقمر وعليه خلعة سوداء بطرازين من الذهب الأصفر، وبين يديه إنسان كأنه الوزير جعفر. وعلى رأسه خادم واقف كأنه مسرور بسيف مشهر، وعشرون نديماً. فقال الخليفة: يا جعفر.
قال: لبيك، أمير المؤمنين.
قال: لعل أن يكون هذا أحد أولادي إما المأمون أو محمد الأمين.
فلما وصلت الحراقة إليهم وإذا بالمشاعلي ينادي: معاشر الناس كافة الخاص والعام، الجيد والرديء والعبد والغلام، جهاوات وغير جهاوات قد رسم خليفتنا هذا أن كل من تفرج في الدجلة أو فتح طاقته حل ماله وضربت رقبته ومن لا يصدق يجرب.
قال: فتأمل الخليفة هارون الرشيد في الشاب وهو جالس على كرسي من الذهب قد كمل بالحسن والجمال والبهاء والكمال فلما تأمله هارون الرشيد التفت إلى الوزير وقال: يا وزير.
قال له: لبيك يا أمير المؤمنين.
قال: والله ما أبقى شيئاً من شكل الخلافة، وهذا الذي بين يديه كأنه أنت يا جعفر لا محالة، والخادم الذي على رأسه كأنه مسرور، هذا، وهؤلاء الندماء كأنهم ندمائي، وقد حار عقلي في هذا الأمر.
فقال له الوزير: وأنا والله يا أمير المؤمنين كذلك.
ثم تقدمت الحراقة إلى أن غابت عن العين فعند ذلك خرج الشيخ بالشختور الذي فيه الجماعة من تحت القبوة. وقال: الحمد لله على السلامة، فإنه لم يصادفنا.
فقال له الخليفة: يا شيخ! وهذا الخليفة ينزل كل ليلة الدجلة؟ قال: نعم يا سيدي، له على هذه الحالة سنة كاملة.
فقال له الخليفة: يا شيخ! نشتهي من فضلك وإحسانك أن تقف لنا ليلة غد في هذه المكان، ونحن نعطيك خمسة دنانير، فإنا قوم غرباء وقصدنا التنزه، ونحن نازلون في الفندق.