للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال الشيخ: السمع والطاعة.

ثم إن الخليفة وجعفراً ومسروراً توجهوا من عند الشيخ المراكبي إلى القصر وقلعوا ما عليهم من لبس التجار ولبسوا ثياب الملك والافتخار، وجلس كل واحد في مرتبته، ودخلت الأمراء والحجاب والنواب. وانعقد المجلس بالناس، ولما انقضى النهار وتفرقت الأجناد قال الخليفة هارون الرشيد لوزيره: يا جعفر! انهض بنا للفرجة على الخليفة الثاني.

فضحك جعفر ومسرور، ولبسوا لبس التجار وخرجوا منشرحي الصدور، وكان خروجهم من باب السر، فلما وصلوا إلى الدجلة وجدوا الشيخ صاحب الشختور لهم في الانتظار فنزلوا عنده في المركب. فلما استقروا مع الشيخ المراكبي، وإذا بالخليفة الثاني في الحراقة، وقد أقبلت عليهم فتأمولها وإذا فيها مائتا مملوك غير المماليك الأول والمشاعلية تنادي على عادتهم، فقال الخليفة: يا وزير، هذا شيء لو سمعت به ما صدقت، ولكن رأيت هذا عياناً.

ثم إن الخليفة قال لصاحب الشختور: يا شيخ! هذه عشرة دنانير وسر بنا في مساواتهم، فإنهم في النور ونحن في الظلام ننظرهم ونتفرج عليهم. وهم لا ينظروننا.

فأخذ الشيخ العشرة دنانير وأطلق الشختور في مساواتهم وصار في ظلام الحراقة، ولم يزالوا سائرين في أثرهم إلى آخر البساتين، وإذا بزريبة بطول الحراقة التصقت عليها، وإذا بغلامين واقفين، ومعهما بغلة مسرجة ملجمة، فطلع الخليفة الثاني وركب البغلة وسار بين الندماء، وزعقت المشاعلية والجاويشية، واشتالت الغاشية، وطلع هارون الرشيد وجعفر ومسرور إلى البر وشقوا بين المماليك وساروا قدامهم، فلاحت من المشاعلية لتفاتة فرأوا ثلاثة أنفار لبسهم لبس التجار، وهم غرباً فأنكروهم غمزوا عليهم فمسكوهم وأحضروهم بين يدي الخليفة الثاني، فلما نظرهم قال: كيف وصلتم إلى هذا المكان وما الذي جاء بكم في مثل هذا الوقت؟ قالوا: يا مولانا! اليوم كان قدومنا، ونحن قوم غرباء تجار، وخرجنا نتمشى الليلة، وإذا بكم قد أقبلتم وجاء هؤلاء وقبضوا علينا وأوقفونا بين أيديكم، وهذا خبرنا.

فقال لهم الخليفة الثاني: طيبوا قلوبكم، فلا بأس عليكم لأنكم قوم غرباء، ولو كنتم من بغداد لضربت أعناقكم للمخالفة.

ثم التفت إلى وزيره وقال: خذ هؤلاء صحبتك ليكونوا ضيوفنا الليلة.

<<  <   >  >>