وذكر الحافظ السيوطي: نفعنا الله به في رسالته: مشتهر العقول في منتهى النقول، أن منتهى الكرم للوزراء البرامكة، كاد أن لا يوجد أحد من العلماء والحكماء والعظماء والندماء إلا وللبرامكة عليه كرم نما كماء السماء، وتكرم جعفر بخمسين ألف دينار من الذهب وتكرر منه كثيراً في ولايته كلها من غير من ولا أذى ولا لغرض ولا لمرض، حتى صار يضرب بهم المثل الأكبر بقولهم: تبرمك فلان.
ومن كرم جعفر أنه تكرم في ويوم على ألف شاعر، أعطى كل شاعر ألف درهم، والدرهم ثلاثة أًصناف فضة. ومن كرمه أنه تكرم على من هجاه بخمسة آلاف دينار وعفا عن تأديبه وتعذيبه.
[فقر البرامكة وذلهم]
ولما أوقع بهم من الأمر ما أوقع الرشيد، صار أمرهم إلى ما سيوصف من الفقر والذل والإهانة، فمن ذلك ما قاله محمد بن غسان صاحب ولاية الكوفة وقاضيها. قال: دخلت على أمي في يوم عيد أضحى فرأيت عندها عجوزاً في أطمار رثةٍ، وإذا لها بيانٌ ولسانٌ، فقلت لأمي: من هذه؟ قالت: هذه خالتك عتابة أم جعفر البرمكي بن يحيى.
فسلمت عليها، وقلت لها: أصار بك الدهر إلى ما أرى؟ قالت: نعم يا بني، إن الذي كنا فيه كان عارية ارتجعها الدهر منا.
قال: فقلت حدثيني ببعض شأنك؟ قالت: خذه جملة! لقد مضى علي عيد أضحى مثل هذا منذ ثلاث سنين، وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن ابني عاق لي، وقد جئتكم اليوم أطلب جلدي شاة أجعل أحدهما شعاراً والآخر دثاراً.
قال: فغمني ذلك وأبكاني، فوهبت لها بعض دنانير كانت عندي والله أعلم.