وقال الرشيد يوماً للفضل بن يحيى، وهو بالرقة: قد قدم إسماعيل ابن صالح بن علي، وهو صديقك، وأريد أن أراه؟ فقال: إن أخاه عبد الملك في حبسك وقد نهاه أن يجيئك.
قال الرشيد: فإني أتعلل حتى يجيئني عائداً؟ فتعلل، فقال الفضل لإسماعيل: ألا تعود أمير المؤمنين؟ قال: بلى.
فجاءه عائداً فأجلسه، ثم دعا بالغداء، فأكل وأكل إسماعيل بين يديه، فقال له الرشيد: كأني قد نشطت برؤيتك إلى شرب قدح، فشرب وسقاه، ثم أمر فأخرج جوار يغنين وضربت ستارة وأمر بسقيه، فلما شرب أخذ الرشيد العود من يد جارية ووضعه في حجر إسماعيل وجعل في عنقه سبحة، وفيها عشرة حبات من در شراؤها بثلاثين ألف دينار، وقال: عن يا إسماعيل، وكفر عن يمينك بثمن هذه السبحة، فاندفع يغني شعر الوليد بن يزيد في غالية أخت عمر بن عبد العزيز، وكانت تحته، وهي التي ينسب إليها سوق الغالية، فقال:
فأقسم ما أدنيت كفي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبةٌ ... من الدهر إلا قد أصابت فتى مثلي
فسمع الرشيد أحسن غناء من أحسن صوت. فقال: الرمح يا غلام.
فجيء بالرمح، فعقد له لواء على إمارة مصر.
قال إسماعيل: فوليتها سنتين فأوسعتها عدلاً. وانصرفت بخمسمائة ألف دينار، وبلغ أخاه عبد الملك ولايته، فقال: غني والله الخبيث لهم، ليس هو بصالح، انتهى.