فلما وقف الرشيد على الرقعة، كتب على ظهرها هذه الأبيات:
يا آل برمك! إنكم ... كنتم ملوكاً عاتيه
فعصيتمو وطغيتمو ... وكفرتمو نعمائيه
هذي عقوبة من عصى ... من فوقه وعصانيه
أجري القضاء عليكمو ... ما خنتموه علانيه
من ترك نصح إمامكم ... عند الأمور الباديه
ثم أردفه بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم " وضرب الله مثلاً، قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " فلما قرأها يحيى، وهو بالسجن، أخذته الحمى لوقته وساعته، وكان ينام على التراب وأيس من الحياة، وعلم أنه ليس له مخلص مما هو فيه من السجن، انتهى.
[أحسن ما رأى جعفر]
وقيل ليحيى بن خالد برمك: أيها الوزير، أخبرنا بأحسن ما رأيت في أيام سعادتك؟ قال: ركبت يوماً في بعض الأيام في سفينة أريد التنزه، فلما خرجت برجلي لأصعد، فاتكأت على لوح من ألواحها وكان بأصبعي خاتم فطار فصه من يدي، وكان ياقوتاً أحمر قيمته ألف مثقال من الذهب، فتطيرت من ذلك. ثم عدت إلى منزلي، وإذا بالطباخ قد أتى بذلك الفص بعينه، وقال: أيها الوزير لقيت هذا الفص في بطن حوت، وذلك لأني اشتريت حيتاناً للمطبخ، فشققت بطنها فرأيت هذا الفص، فقلت: لا يصلح هذا إلا للوزير أعزه الله تعالى. فقلت الحمد لله هذا بلوغ الغاية.