الزمان وأناخ عليه الخذلان ونزل به الحدثان فصار إلى الضيق بعد السعة، وعالج الموت بعد الدعة، وشرب كأس الموت مترعة، وافترش السخط بعد الرضا، واكتحل بالسهر بعد الكرى، فنهاره فكر ونومه سهر، وساعته شهر وليله دهر قد عاين الموت مراراً وشارف الهلاك جهاراً، يا أمير المؤمنين، قد أصابتني مصيبتان: الحال والمال، أما المال، فإن ذلك منك ولك، وكان في يدي عارية منك، ولا بأس برد العواري إلى أهلها، وما المصيبة بجفعر فبجرمه وجراءته وعاقبته بما استخف من أمرك وكان جزاؤه فوق ما استحق، وأما الفقير، فاذكر يا أمير المؤمنين خدمتي وارحم ضعفي ووهن قوتي وهب لي رضاك فمن مثلي الزلل ومن مثلك الإقالة، ولست أعتذر ولكن أقر وقد رجوت أن أفوز برضاك فتقبل عذري وصدق نيتي وظاهر طاعتي وتلويح حجتي ففي ذلك ما يكتفي به أمير المؤمنين ويرى الحقيقة فيه ويبلغ المراد منه، ثم أنشأ يقول:
قل للخيلفة ذي الصنا ... ئع والعطايا الفاشيه
وابن الخلائف من قري؟ ... شٍ والملوك العاليه
رأس الأمور وخير من ... ساس الأمور الماضيه
إن البرامكة الذي؟ ... ن رموا لديك بداهيه
عمتهمو لك سخطة ... لم تبق منهم باقية
؟ فكأنهم مما بهم أعجاز نخل خاويه
صفر الوجوه عليهم ... خلع المذلة باديه
مستضعفون ومطردو ... ن بكل أرضٍ قاصيه
بعد الإمارة والوزا ... رة والأمور الساميه
ومنازل كانوا بها ... فوق المنازل عاليه
أضحوا، وجل منا همو ... منك الرضا والعافيه
يا من يريد لي الردى ... يكفيك ويحك ما بيه
يكفيك أني مستبا ... ح عترتي ونسائيه
يكفيك ما أبصرته ... ذلي وذل مكانيه
فلقد رأيت الموت من قبل الممات علانيه
وبكاء فاطمة الكبي؟ ... رة والدموع الجاريه
ومقالها بتفجع: ... يا سوأتي وشقائيه