للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شملهم في البلاد، ولم يقدر أحد منهم على كسرة خبز، وحبس أباه يحيى وأخاه الفضل في مطمورة، وأمر بجثة جعفر فصلبت على الجسر ببغداد، ثم بعث إلى خراسان أن يوطن بلادها، وأمر الناس فردوا مضاربهم ودخل العسكر، ثم وجه إلى مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتى بالصبيين ولدي جعفر من أخته ميمونة فأدخلا عليه في بيته، فلما رآهما أعجب بهما وكانا في نهاية من الحسن والجمال، فاستنطقهما فوجد لغتهما مدنية وفصاحتها هاشمية، وفي ألفاظهما عذوبة وبلاغة، فقال لكبيرهما: ما اسمك يا قرة عيني؟ قال: الحسن.

قال للصغير: ما اسمك يا حبيبي؟ قال: الحسين.

فنظر إليهما وبكى بكاء شديداً، ثم قال: يعز علي حسنكما وجمالكما لا رحم الله من ظلمكما ولم يدريا ما يراد بهما، ثم قال: ما فعلت بالمفتاح الذي دفعته لك وأمرتك بحفظه؟ قال: هو حاضر يا أمير المؤمنين.

قال: فائتني به.

ثم دعا بجماعة من الغلمان والخدم وأمرهم أن يحفروا في البيت حفرة عميقة ودعا مسروراً وأمره بقتلهما ودفنهما مع أمهما في تلك الحفرة، رحمهم الله تعالى جميعاً، وهو مع ذلك يبكي بكاء شديداً حتى ظننت أنه رحمهما، ثم مسح عينيه من الدموع وأمر أن لا تذكر البرامكة في مجلس، ولا يستعان بمن بقي منهم في المدينة أبداً، فخرجوا على وجوههم في البلاد شاردين متنكرين وقطع الله دابرهم.

قال: فلما كان بعد مدة من هلاك البرامكة وجد الرشيد رقعة تحت مصلاه فيها خطاب وأبيات من الشعر فبحث عنها، فقيل: إن صاحب السر عملها، فبعث إليه فسأله عنها، فقال: يا أمير المؤمنين وجدتها في صحن الدار، ولا أعلم من طرحها فأخذتها وطرحتها تحت مصلاك، فقيل: إن ذلك من زبيدة لتهلك من بقي من البرامكة فعملت الرقعة للرشيد وحركته وزادت في غيظه، فاستدعى في الوقت بالفضل بن يحيى وضربه سياطاً حتى كاد يهلكه وزاد في حديده وأغلاله، ثم استدعى يحيى وكان شيخاً كبيراً، وزاد في حديده وأغلاله أيضاً، وكان قد أنشأ في النعيم، فتذكر فقد جعفر وتشتت الأهل، فكتب كتاباً إلى الرشيد يستعطفه ويسأله أن يخفف عنه من القيد والغل، وهو: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى أمير المؤمنين ونسل المهديين وإمام المسلمين وخليفة رسول الله رب العالمين، من عبد أسلمته ذنوبه وأوثقته عيوبه وخذله شقيقه ورفضه صديقه وخانه

<<  <   >  >>