للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عني؟ قال: ما لي سبيل إلى ذلك أبداً، ولا يمكنني مراجعته، وقد علمت أنه لا سبيل إلى الحياة أبداً.

قال: فتوقف عني ساعة وارجع إليه، وقل له: قد فرغت مما أمرتني به، واسمع ما يقول، وعد فافعل ما تريد، فإن فعلت ذلك وحصلت لي السلامة، فإني أشهد الله وملائكته أني أشاطرك في نعمتي مما ملكته يدي وأجعلك أمير الجيش وأملكك أمر الدنيا.

ولم يزل به وهو يبكي حتى طمع في الحياة، فقال له مسرور: ربما يكون ذلك.

وحل سيفه ومنطقته وأخذهما ووكل به أربعين غلاماً من السودان يحفظونه ومضى مسرور ووقف بين يدي الرشيد وهو جالس يقطر غضباً، وفي يده قضيب ينكث به الأرض. فلما رآه قال له: ثكلتك أمك ما فعلت في أمر جعفر؟ فقال: يا أمير المؤمنين قد أنفذت أمرك فيه.

فقال: فأين رأسه؟ فقال: في القبة.

قال: فأتني برأسه الساعة.

فرجع مسرور وجعفر يصلي، وقد ركع ركعة فلم يمهله أن يصلي الثانية حتى سل سيفه الذي أخذه منه وضرب عنقه وأخذ رأسه بلحيته فطرحه بين يدي أمير المؤمنين، وهو يشخب دماً فتنفس الصعداء وبكى بكاء شديداً وجعل ينكت الأرض أثر كل كلمة ويقرع أسنانه بالقضيب، ويخاطبه، ويقول: يا جعفر ألم أحلك محل نفسي؟ يا جعفر! ما كافأتني ولا عرفت حقي ولا حفظت عهدي ولا ذكرت نعمتي ولا نظرت في عواقب الأمور، ولا تفكرت في صروف الدهر، ولا حسبت تقلب الأيام واختلاف أحوالها، يا جعفر خنتني في أهلي وفضحتني بين العرب والعجم، يا جعفر، أسأت إلي وإلى نفسك ولا تفكرت في عاقبة أمرك.

قال مسرور: وأنا واقف بين يديه، وهو ينكت الأرض في كل كلمة، وملم يزل كذلك إلى أن أذن لصلاة الظهر، فدعا بماء فتوضأ للصلاة وخرج للجامع فصلى بالناس جماعة، ثم التفت بوجهه لقصور جعفر ودوره وقبض على أبيه وأخيه وجميع أولاد البرامكة ومواليهم وغلمانهم واستباح ما فيها، ووجه مسروراً إلى العسكر فأخذوا جميع ما فيه من مضارب وخيام وسلاح وغير ذلك. فلما أصبح يوم السبت، فإذا هو قد قتل من البرامكة وحاشيتهم نحو ألف إنسان، وترك من بقي منهم لا يرجع إلى وطنه وشتت

<<  <   >  >>