قال: فاطمأنت نفسي بذلك إلى أن سال العقيق وخرج الناس ينظرون فخرجت مع إخوتي وقرابتي، فجلسنا في مجلسنا بعينه فما لبثنا إلا والنسوة كفرسي رهان فقلت لذات قرابتي: قولي لهذه الجارية يقول لك هذا الرجل: لقد أحسن من قال:
رمتني بسهم أقصد القلب وانثنت ... وقد عاودت جرحاً به وندوبا
قال: فمضت إليها وقالت لها ذلك، فقالت لها: قولي له، وقد حسن من أجابه:
بنا مثل ما تشكو فصبراً لعلنا ... نرى فرجاً يشفي القلوب قريبا
قال: فأمسكت عن الكلام خوف الفضيحة، وقمت منصرفاً، فقامت لقيامي فتبعتها قرابتي حتى عرفت منزلها، ورجعت فأخذتني، وسرنا إليها حتى اجتمعنا. واتصل ذلك حتى شاع وطهر وحجبها أبوها. فلم أزل مجتهداً في لقائها فلم أقدر، وشكوت ذلك إلى أبي فجمع أهلنا ومضى إلى أبيها راغباً في خطبتها فقال: لو بدا له ذلك قبل أن يفضحها لفعلت ولكنه شهرها، فما كنت لأحقق قول الناس. قال إبراهيم فأعدت عليه الصوت وعرفني منزله ثم انصرف. وكانت بيننا عشرة، ثم جلس جعفر بن يحيى وحضرت على عادتي فغنيته شعر الفتى، فطرب وشرب أقداحاً وقال: ويلك! لمن هذا الصوت؟ فحدثته حديث الفتى فأمرني بالركوب إليه وأن أجعله على ثقة من بلوغ أربه، فمضيت إليه وأحضرته فاستعاد الحديث فحدثه فقال: هي في ذمتي حتى أزوجك إياها فطابت نفسه، وأقام معنا، فلما أصبح ركب جعفر إلى الرشيد وحدثه بذلك فاستظرفه، وأمر أن يحضرا جميعاً واستعاد الصوت وشرب عليه، فأمر بكتب كتاب إلى عامل الحجاز بإحضار المرأة وأهلها ووالدها مبجلين إلى حضرته، والإنفاق عليهم نفقة واسعة، فلم يمض إلا يسير حتى حضروا، فأشار الرشيد بإيصال الرجل إليه، فحضر وأمر بتزويج ابنته من الفتى، وأعطاه ألف دينار، ونقلت إلى أهله، ولم يزل الشاب من ندماء جعفر حتى حدث ما حدث فاد الفتى بأهله إلى المدينة، فرحم الله تعالى أرواحهم أجمعين.