للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: فما يقول هذا الطائر وما يقول الطائر الآخر؟ فقال الموبذان: هذا بوم ذكر يخطب بومة ويقول لها: متعيني بنفسك حتى يخرج من بيننا أولاد يسبحون الله ويبقى لنا في هذا العالم عقب يكثرون الترحم علينا. فأجابت: أن الذي تدعونني إليه لي فيه الحظ الأكبر والنصيب الأوفر في العاجل والآجل إلا أني أشترط عليك خصالاً إن أعطيتها أجبتك إلى ذلك.

فقال لها الذكر: وما تطلبينه مني؟ قالت: أن تعطيني من خرابات أمهات الضياع عشرين قرية مما خربت في أيام هذا الملك السعيد.

فقال له الملك فما الذي قال لها الذكر؟ قال الموبذان: كان من قوله لها إن دامت أيام هذا الملك السعيد قطعك منها ألف قرية خراب، فما تصنعين بها؟ قالت: في اجتماعنا يحصل ظهور النسل وكثرة الذكر، فنقطع لكل ولد من أولادنا ضيعة من هذه الخرابات.

فقال لها الذكر: هذا أسهل أمر سألتنيه، وأنا مليء بذلك ما حيى هذا الملك.

فلما سمع الكلام من الموبذان تأثر في نفسه واستيقظ من نومه وفكر فيما خوطب به فنزل من ساعته ونزل بنزوله الناس وخلا بالموبذان، فقال: أيها القائم بأمر الدين الناصح للملك والمنبه له عما أغفله من أمور ملكه وإضاعة بلاده ورعيته، ما هذا الكلام الذي خاطبتني به فقد حركت مني ما كان ساكناً.

فقال الموبذان: صادفت من الملك السعيد وقت سعد العباد والبلاد فجعلت الكلام مثلاً وموعظة على لسان الطائر عند سؤال الملك إياي عما سأل.

فقال له الملك: أيها الناصح، اكشف لي عن هذا الغرض، ما المراد منه؟ فقال: أيها الملك، إن الأمر لا يتم إلا بالشريعة والقيام لله بطاعته ولا قوام للشريعة إلا بالملك ولا عز للملك إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل، وهو الميزان المنصوب بين الخليقة، نصبه الرب، جل وعلا وجعل له قيماً وهو الملك.

فقال الملك: أما ما وصفت فحق فأين لي عما إليه تقصد وأوضح لي في البيان.

قال: نعم أيها الملك، إنك عمدت إلى الضياع فأقطعتها الخدم وأهل البطالة فعمدوا إلى ما تعجل من غلاتها فاستعجلوا المنفعة وتركوا العمارة والنظر في العواقب وما يصلح الضياع، وسومحوا في الخراج لقربهم من الملك، ووقع الحيف على الرعية وعمار الضياع،

<<  <   >  >>