وقلت في نفسي: ومن هو أنت حتى تترك هذه البارعة في حسنها؟ ثم لحقت العجوز، وقلت لها: ارجعي؟ فقالت: وحق المسيح ما أرجع لك إلا بمائة دينار.
فقلت: نعم! بسم الله، فمضيت ووزنت مائة دينار، فلما حضرت الجارية عندي لحقتني الفكرة الأولى، وعففت عنها وتركتها حياء من الله تعالى، ثم مضت ومضيت إلى موضعي، ثم عبرت علي بعد ذلك وقالت: وحق المسيح ما عدت تفرح بي عندك إلا بخمسمائة دينار، أو تموت كمداً.
فارتعت لذلك وعزمت على أن أصرف ثمن الكتان جميعه، فبينما أنا كذلك والمنادي ينادي، معاشر المسلمين! إن الهدنة التي كانت بيننا وبنيكم قد انقضت، وقد أمهلنا من هنا من المسلمين إلى جمعه، فانقطعت عني، وأخذت في تحصيل ثمن الكتان الذي لين والمصالحة على ما بقي منه، وأخذت معي بضاعة حسنة، وخرجت من عكا وفي قلبي من الإفرنجية ما فيه، فوصلت إلى دمشق وبعت البضاعة بأوفى ثمن بسبب فراغ الهدنة، ومن الله علي بكسب وافر، وأخذت أتجر في الجواري لعل يذهب ما بقلبي من الإفرنجية، فمضت ثلاث سنين، وجرى للملك الناصر ما جرى من وقعة حطين، وأخذ جميع الملوك، وفتح بلاد الساحل، بإذن الله تعالى، فطلب مني جارية للملك الناصر، فأحضرت له جارية حسناء، فاشتراها بمائة دينار، فأوصلوا إلي تسعين ديناراً، وبقيت العشرة دنانير عنده، فلم يجدوها في خزانة الملك في ذلك اليوم، لأنه أنفق جميع الأموال، فلما حضرت الغنيمة جاءوا للملك فشاوروه على ذلك، فقال: امضوا به إلى الخيمة التي فيها السبي من نساء الإفرنج، فخيروه في واحدة منهن، يأخذها بالعشرة دنانير التي بقيت له.
فأتيت الخيمة فعرفت غريمتي، فقلت: أعطوني هذه الجارية، فأخذتها ومضيت إلى خيمتي، وخلوت بها، وقلت لها: أتعرفيني؟ قالت: لا. فقلت لها: أنا صاحبك التاجر الذي جرى لي معك ما جرى وأخذت مني الذهب، وقلت: ما عدت تراني عندك إلا بخمسمائة دينار وقد أخذتك ملكاً بعشرة دنانير.
فقالت: مد يدك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فأسلمت وحسن إسلامها، فقلت: والله لا وصلت إليها إلا بأمر القاضي، فتوجهت إلى ابن شداد، وحكيت له ما جرى، فتعجب وعقد لي عليها، وباتت تلك الليلة عندي فحملت مني ثم رحل العسكر، وأتينا دمشق، فبعد مدة يسيرة أرسل الملك يطلب الأسارى والسبايا باتفاق وقع بين الملوك، فردوا من كان أسيراً من الرجال والنساء، ولم يبقى إلا التي