المراكب والملاحين، فهذا يصفق، وهذا ينشد موالياً، وهذا يقول دوبيت، وهذا يقول كيت وكيت.
فقال الرشيد: ما تلتفت نفسي إلى شيء من ذلك.
فقال جعفر: قم يا أمير المؤمنين، حتى ننزل إلى الاصطبل الخاص وننظر إلى الخيل العربيات وتتفرج على حسن ألوانها، ما بين أدهم كالليل إذا أظلم، وأشقر، وأشهب، وكميت أحمر، وأبيض، وأخضر، وأبلق، وأصفر، وألوان تحير العقول.
فقال الرشيد: ما تلتفت نفسي إلى شي من ذلك.
فقال جعفر: يا أمير المؤمنين، عندك في قصرك ثلاثمائة جارية، ما بين جنكية، إلى عودية، إلى دفية، إلى قانونية، إلى زامرة، إلى مغنية، إلى راقصة، إلى سنطيرية، أحضر الجميع، وأحضر العقار المروق، فعل أن يزول ما بقلبك من الضجر.
فقال: ما تهم نفسي إلى شيء من ذلك.
فقال جعفر: يا أمير المؤمنين ما بقي إلا ضرب عنق مملوكك جعفر، فإني قد عجزت عن إزالة هم مولانا.
فقال: يا جعفر، أما سمعت قول ابن عمي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: من فم مولانا أسمع.
فقال الرشيد: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فرح أمتي في ثلاث: أن يرى بعينه شيئاً ما رآه، أو يسمع شيئاً ما سمعه، أو يطأ مكاناً ما وطئه "، فيتفق يا جعفر أن يكون في بغداد مكان ما وطئناه، أو شيء ما سمعناه، أو موضع ما رأيناه.
فقال جعفر: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أطلع إلى مجلس النوبة وأنظر أحداً من المسافرين أحضره بين يدي أمير المؤمنين، لعله أن يحدثك بحديث ما سمعته؟ فقال الرشيد: قم وافعل.
فقام جعفر وطلع وعاد بسرعة بالشيخ أبي الحسن الخليع الدمشقي المسامر. قال: فلما رأى أمير المؤمنين سلم فأحسن وترجم فأبلغ، ثم قال: يا أمير المؤمنين وحامي حوزة الدين وابن عم سيد المرسلين وخاتم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله وصحبه أجمعين، أطال الله بقاك وجعل الجنة مأواك والنار مثوى لأعداك لا خمدت لك نار ولا أغيظ لك جار، ثم أنشد يقول: