للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دام لك العز والبقاء ... ما اختلف الصبح والمساء

ودمت ما دامت الليالي ... بمدة ما لها انقضاء

الناس ناس بكل أرض ... وأنت من فوقهم سماء

قال: فرد الشيخ السلام وقال له: اجلس يا أبا الحسن، وحدثنا بحديث عجيب مليح لم نسمعه قط؟ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، أحدثك بشيء سمعته بأذني أو بشيء رأيته بعيني؟ قال الرشيد: يا شيخ أبا الحسن الذي تراه العين أحسن من الذي تسمعه الأذن.

فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، أفرغ لي عن ثلاثة أشياء منك؟ فقال: ما الثلاثة؟ فقال: ذهنك وسمعك وقلبيك.

فقال الرشيد: هات يا أبا الحسن.

فقال: يا أمير المؤمنين لي عادة أني أسافر في كل سنة إلى البصرة للأمير محمد بن سليمان الزينبي، وأقعد عنده أحدثه الأسمار، وأورد له الأخبار، وأنشد له الأشعار، ولي عليه رسم ألف دينار آخذها وأعود إلى بغداد. فاتفق لي من سنة من السنين أني سافرت إلى البصرة على عادتي ودخلت على الأمير محمد بن سليمان وجلست عنده اليوم الأول والثاني والثالث، فركب إلى الصيد وتركني في منزله وأوصى أرباب دولته بخدمتي وإكرامي إلى أن يعود، وأوصى الطباخ الذي له أن لا يطعمني إلا شيئاً تشتهيه نفسي، فاشتهيت السمك فقلت للطباخ: فعمل لي من السمك عدة ألوان فأكلت وطاب لي الأكل حتى ثقل على فؤادي، فقلت: ما يصرف عني هذا إلا المشي، ولي عدة أسفار إلى البصرة ما أعرف فيها مكاناً، وأريد اليوم أن أجعلها حجة وفرجة. ثم إني نزلت أتمشى في شوارع البصرة فعطشت عطشاً شديداً وناهيك بعطش السمك، فقلت في نفسي: إن تناولت شربة من السقاء لا تطيب نفسي لأنه يشرب منه أصحاب الأمراض، وكبر على نفسي أن أحملها إلى شاطئ الدجلة، وقلت: ما لي إلا أن أقصد بعض دور المحتشمين وأطلب منها شربة من ماء، فأتيت إلى درب وفي ذلك الدرب خمسة دور داران مقابلتان لدارين ودار صدرانية قد قامت من التراب وتعلقت بأذيال السحاب، ولها باب مقنطر مزخرف بمصاطب طولانية، مفروش عليها حصر عبدانية، والباب ساج مصفح بصفائح الذب الوهاج ومسامير الفضة وستر من الحرير الأصفر المدثر مكتوب عليه هذه الأبيات:

ألا يا دارُ لا يدخلك حزنٌ ... ولا يغدر بصاحبك الزمان

<<  <   >  >>