قال: فقام الرشيد وجثا على ركبتيه بين يدي الأعرابي، فقال: قد جلست فاسأل عما بدا لك.
فقال له: أخبرني عما افترض الله عليك؟ فقال له: تسألني عن أي فرض عن فرض واحد، أم عن خمسة، أن عن سبعة عشر، أم عن أربعة وثلاثين، أم عن خمسة وثمانين، أم عن واحدة في طول العمر، أم عن واحدة في أربعين، أم عن خمسة من مائتين.
قال: فضحك الرشيد حتى استلقى على قفاه استهزاء به، ثم قال: له: سألتك عن فرضك فأتيتني بحساب الدهر؟ قال: يا هارون لولا أن الدين بالحساب لما أخذ الله الخلائق بالحساب يوم القيامة، فقال تعالى:" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ".
قال: فظهر الغضب في وجه الرشيد واحمرت عيناه حين قال: يا هارون، ولم يقل له: يا أمير المؤمنين، وبلغ مبلغاً شديداً غير أن الله تعالى عصمه منه وحال بينه وبينه لما علم أنه هو الذي أنطق الأعرابي بذلك، فقال له الرشيد: يا أعرابي، إن فسرت ما قلت نجوت وإلا أمرت بضرب عنقك بين الصفا والمروة.
فقال له الحاجب: يا أمير المؤمنين اعف عنه وهبه لله تعالى ولهذا المقام الشريف؟ قال: فضحك الأعرابي من قولهما حتى استلقى على قفاه، فقال: مم تضحك؟ قال: عجباً منكما إذ لا أدري أيكما أجهل الذي يستوهب أجلاً قد حضر أم من يستعجل أجلاً لم يحضر؟
قال: هاك الرشيد ما سمعه منه وهانت نفسه عليه، ثم قال: الأعرابي: أما سؤالك عما افترض الله علي، فقد افترض علي فرائض كثيرة، فقولي لك عن فرض واحد: فهو دين الإسلام، وأما قولي لك عن خمسة: فهي الصلوات؛ وأما قولي لك عن سبعة عشرة: فهي سبعة عشرة ركعة؛ وأما قولي لك عن أربعة وثلاثين: فهي السجدات؛ وما قولي لك عن خمسة وثمانين: فهي التكبيرات؛ وأما قولي لك عن واحدة في طول العمر: فهي حجة الإسلام واحدة في طول العمر كله، وأما قولي لك واحدة في أربعين: فهي زكاة الشياه، شاة من أربعين، وأما قولي لك خمس من مائتين: فهي زكاة الورق.