للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه، ولست أقيم بعد نظري فيه ساعة واحدة، فاستوصوا بمن ورائي من الحريم خيراً وما لي حاجة أن يصحبني أحد منكم هات قيودك يا منارة.

فدعوت بها وكانت في سفط ومد يده فقيدته وأمرت غلماني بحمله حتى صار في المحمل وركبت في الشق الآخر، وسرت من وقتي ولم ألاق أمير البلد ولا غيره، وسرت بالرجل وليس معه أحد إلى أن صرنا بظاهر دمشق فابتدأ يحدثني بانبساط حتى انتهينا إلى بستان حسن في الغوطة، فقال لي: أترى هذا؟ قلت: نعم.

قال: إنه لي، وقال: إن فيه من غرائب الأشجار كيت وكيت. ثم انتهى إلى آخر، فقال مثل ذلك. ثم انتهى إلى مزارع حسان وقرى، فقال مثل ذلك! هذا لي، فاشتد غيظي منه، وقلت: ألست تعلم أن أمير المؤمنين أهمه أمرك حتى أرسل إليك من انتزعك من بين أهلك ومالك وولدك وأخرجك فريداً مقيداً مغلولاً ما تدري إلى ما تصير إليه أمرك ولا كيف يكون، وأنت فارغ القلب من هذا حتى تصف ضياعك وبساتينك بعد أن جئتك؛ وأنت لا تفكر فيما جئت به، وأنت ساكن القلب قليل التفكر. لقد كنت عندي شيخاً فاضلاً.

فقال لي مجيباً: إنا لله وإنا إليه راجعون. أخطأت فراستي فيك. لقد ظننت أنك رجل كامل العقل وأنك ما حللت من الخلفاء هذا المحل إلا لما عرفوك، فإذا عقلك وكلامك يشبه كلام العوام، والله المستعان. أما قولك في أمير المؤمنين وإزعاجه وإخراجه إياي إلى بابه على صورتي هذه، فإني على ثقة من الله عز وجل الذي بيده ناصية أمير المؤمنين، ولا يملك أمير المؤمنين لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله عز وجل، ولا ذنب لي عند أمير المؤمنين أخافه، وبعد فإذا عرف أمير المؤمنين أمري وعرف سلامتي وصلاح ناصيتي سرحني مكرماً، فإن الحسدة والأعداء رموني عنده بما ليس في وتقولوا علي الأقاويل، فإما أن يستحل دمي أو يخرج من إيذائي وإزعاجي ويردني مكرماً، أو يقيمني ببلاده معظماً مبجلاً؟ وإن كان قد سبق في علم الله عز وجل أن هذا يبدو لي منه سوء وقد اقترب أجلي وكان سفك دمي على يده، فلو اجتهدت الملائكة والأنبياء وأهل الأرض والسماء على صرف ذلك عني ما استطاعوا، فلم أتعجل الفكرة فيما فرغ الله منه، وإني أحسن الظن بالله الذي خلق ورزق وأحيا وأمات، وإن الصبر والرضا والتسليم إلى من يملك الدنيا والآخرة أولى، وقد كنت أحسب أنك تعرف هذا فإذن قد عرفت مبلغ فهمك، فإني لا أكلمك بكلمة واحدة حتى يفرق بيننا أمير المؤمنين إن شاء الله تعالى.

<<  <   >  >>