فأوجب القاضي النكاح، ثم قبله المملوك، فقال له القاضي طلقها.
فقال له: هذه صارت لي زوجة وأنا لا أطلقها.
فردد عليه القول فأبى وضاق صدر الخليفة لذلك، وقال: قد اشتد الأمر أعظم مما كان.
فقال القاضي أبو يوسف: يا أمير المؤمنين رغبه بالمال.
فقال: طلقها ولك مائة دينار.
قال: لا أفعل.
قال: مائتا دينار.
قال: لا أفعل.
إلى أن عرضوا عليه ألف دينار وهو يمتنع، وقال القاضي: الطلاق بيدي أم بيد أمير المؤمنين أم بيدك؟ قال: بل بيدك أنت.
قال: والله لا أفعل أبداً.
فاشتد غضب أمير المؤمنين، فقال القاضي: يا أمير المؤمنين لا تجزع فإن الأمر هين اعتق الجارية، ثم ملك هذا العبد للجارية؟ قال: أعتقتها وملكته لها.
فقال لها القاضي: قولي قبلت؟ فقالت: قبلت.
فقال القاضي: حكمت بالتفريق بينكما لأنه دخل في ملكها فانفسخ النكاح.
فقام أمير المؤمنين على قدميه، وقال: مثلك من يكون قاضياً في زماني. وستدعى بأطباق الذهب فأفرغت بين يديه، وقال للقاضي: هل معك شيء توعيه؟ فتذكر مخلاة البغلة. فاستدعى بها، فملئت له ذهباً، فأخذها وانصرف. فلما أصبح قال لخلانه: انظروا إلى من علم العلم فليتعلمه كذلك، فإني أعطيت هذا المال العظيم في مسألتين أو ثلاث.
فانظر أيها المتأدب إلى لطف هذه الواقعة فإنها اشتملت على محاسن منها إدلال الوزير على قلب أمير المؤمنين وحلم الخليفة، وزيادة علم القاضي فرحم الله أرواحهم أجمعين.