للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علم أنه استوثق بها دعا بالفعلة ومعهم المعاول والزنابيل فحفروا وسط تلك المقصورة حتى بلغوا الماء وهو قاعد على كرسي، ثم قال: حسبكم! هاتوا الصندوق، فدلوه في تلك الحفرة، ثم قال: ردوا التراب عليه، ففعلوا وسووا الموضع كما كان، ثم أخرجهم وأقفل الباب وأخذ المفتاح معه وجلس في موضعه والفعلة والخادمان بين يديه، ثم قال: يا مسرور! خذ هؤلاء القوم وأعطهم أجرتهم، فأخذهم مسرور وجعلهم في جواليق وخيط عليهم بعد أن ثقلهم بالصخر والحصى ورماهم في وسط الدجلة ورجع من وقته فوقف بين يديه، فقال: يا مسرور! فعلت ما أمرتك به؟ قال: وفيت القوم أجورهم.

فدفع ليه مفتاح البيت، وقال: احفظه حتى أسألك عنه، وامض الآن فانصب في وسط المحل القبة التركية.

ففعل ذلك ووافاه قبل الصبح ولم يعلم أحد ما يريد. فلما جلس في مجلسه وكان يوم الخميس يوم موكب جعفر. قال: يا مسرور لا تتباعد عني.

ودخل الناس فسلموا عليه ووقفوا على مراتبهم ودخل جعفر بن يحيى البرمكي فسلم عليه فرد عليه السلام أحسن رد ورحب به وضحك في وجهه، فجلس في مرتبته، وكانت مرتبته أقرب المراتب إلى أمير المؤمنين، ثم حدثه ساعة وضاحكه، فأخرج جعفر الكتب الواردة عليه من النواحي؛ فقرأها عليه، وأمر، ونهى، ومنع، ونفذ الأمور، وقضى حوائج الناس، ثم استأذنه جعفر في الخروج إلى خراسان في يومه ذلك، فدعا الرشيد بالمنجم، وهو جالس بحضرته فقال الرشيد: كم مضى من النهار.

قال: ثلاث ساعات ونصف.

وأخذ له الارتفاع وحسب له الرشيد بنفسه ونظر في نجمه، فقال: يا أخي، هذا يوم نحوسك، وهذه ساعة نحس، ولا أرى إلا أنه يحدث فيها حدث، ولكن تصلي الجمعة وترحل في سعودك وتبيت في النهروان وتبكر يوم السبت وتستقبل الطريق بالنهار، فإنه أصلح من اليوم.

فما رضي جعفر بما قاله الرشيد حتى أخذ الاصطرلاب من يد المنجم وقام وأخذ الطالع وحسب الطالع لنفسه، وقال: والله صدقت يا أمير المؤمنين؛ إن هذه الساعة ساعة نحسن وما رأيت نجماً أشد احتراقاً ولا أضيق مجرى من البروج في مثل هذا اليوم.

ثم قام وانصرف إلى منزله، والناس والقواد والخاص والعام من كل جانب يعظمونه ويبجلونه إلى أن وصل إلى قصره في جيش عظيم، وأمر ونهى وانصرف الناس فلم يستقر

<<  <   >  >>