ثم ذهب به فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين وأعلم بما كتب قال له المأمون: ويلك، ما حملك على هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين! إنه لا يخفى عليك ما حواه قصرك هذا من خزائن الأموال والحلي والحلل والطعام والشراب والفرش والأواني والأمتعة والجواري والخدم وغير ذلك مما يقصر عنه وصفي ويعجز عنه فهمي. وإني يا أمير المؤمنين قد مررت عليه الآن، وأنا في غاية من الجوع والفاقة، فوقفت مفكراً في أمري وقلت في نفسي: هذا القصر عامر عال، وأنا جائع ولا فائدة لنا فيه، فلو كان خراباً ومررت به لم أعدم رخامة أو خشبة أو مسماراً أبيعه وأتقوت بثمنه أوما علم أمير المؤمنين رعاه الله قول الشاعر:
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ ... نصيب ولا حظ تمنى زوالها
وما ذاك من بغض له، غير أنه ... يزجي سواها، فهو يهوى انتقالها
فقال المأمون: يا غلام، أعطه ألف درهم، ثم قال: هي لك في كل سنة ما دام قصرنا عامراً بأهله مسروراً في دولته.
وأنشدوا في معنى ذلك:
إذا كنت في أمر، فكن فيه محسناً ... فعما قليل أنت ماض وتاركه
فكم دحت الأيام أرباب دولةٍ ... وقد ملكوا أَضعاف ما أنت مالكه