للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالت: وكيف؟ قال: إبراهيم بن المهدي لقيته فتعلقت به فدفعني فأصابني ما ترين من حالي ولو حملته إلى أمير المؤمنين لأخذت منه مائة ألف درهم.

قال: فأخرجت له حراقاً وذروراً، وفرشت له بعد كبس جرحه فنام قليلاً وطلعت وقالت لي: أظنك صاحب القصة؟ قلت: نعم.

فقالت لي: إني خائفة عليك، ثم جددت لي الكرامة وأقمت عندها ثلاثة أيام، ثم قالت لي: إني خائفة عليك من هذا الرجل لئلا يطلع على أمرك فينم عليك فانج بنفسك.

فسألتها إمهالي إلى الليل. فلما دخل لبست زي النساء وخرجت منم عندها وأتيت إلى بيت مولاة لنا، فلما رأتني بكت وتوجعت وحمدت الله تعالى على سلامتي وخرجت كأنه تريد كرامتي، فتوجهت للسوق مظهرة الاهتمام للضيافة فظننت خيراً، فلم أشعر إلا بإبراهيم الموصلي بخيله ورجاله، والمولاة معه حتى سلمتني إليه، فرأيت الموت عياناً، وحملت مثل ما أنا إلى أمير المؤمنين، فجلس مجلساً عاماً، وأمر بإدخالي عليه، فلما مثلت بين يديه سلمت عليه سلام الخلافة، فقال: لا سلمك الله، ولا حفظك ولا رعاك.

فقلت: يا أمير المؤمنين، إن ولي الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى، ومن تناولته يد الأقدار ربما مد له من أسباب الرجاء ما يأمن معه عادية الدهر، وقد جعلك الله فوق خلقه، وأصبح عفوك فوق كل ذي عفو، فإن تأخذ فبحقك، وإن تعف فبفضل، وأنشدت أقول:

ذنبي إليك عظيموأنت أعظم منهفخذ بحقك أولا

واصفح بحلمك عنهإن لم أكن في فعاليمن الكرام فكنه

قال: فرفع رأسه إلي، فقلت مبتدراً:

أتيت ذنباً عظيماً ... وأنت للعفو أهل

فإن عفوت فمن ... وإن جزيت فعدل

قال: فرق المأمون واسترجع فرأيت روائح الرحمة في شمائله، ثم أقبل على أخيه أبي إسحاق محمد المعتصم وابنه العباس وجميع من حضر من خصته، وقال: ما ترون في أمره؟ فأشار الكل بقتلي، إلا أنهم اختلفوا في القتل، فقال المأمون لأحمد بن أبي خالد: ما تقول يا أحمد؟ فقال: يا أمير المؤمنين! إن قتلته فقد وجدنا مثلك قتل مثله، وإن عفوت لم نجد مثلك في العفو.

<<  <   >  >>