قال: فاستدعي بتلك الجارية، فخرجت فإذا هي صاحبتي ووراءها وصيفة تحمل عودها، فوضعته في حجرها فغنت وشربوا وطربوا، وهي تلحظني وتشك في، فقالوا: لمن هذا الصوت؟ فقالت: لسيدي مخارق.
فلم ألبث أن قلت: يا جارية شدي يدك، فشدت أوتارها وخرجت عن إيقاعها الذي تقول عليه. قال: فاستدعيت بمدورة وقضيب وغنيت الصوت الذي قالته الجارية، فقاموا إلي وقبلوا رأسي.
قال: وكان مخارق من أحسن الناس صوتاً وكان يوقع بالقضيب توقيعاً عجيباً.
قال: ثم غنيت الصوت الثاني والثالث، فكادت عقولهم تطير فقالوا: بالله من أنت يا سيدي؟ فقلت: مخارق.
فقالوا: وما سبب مجيئك؟ قلت: طفيلي أصلح الله شأنكم. وأخبرتهم بخبري.
فقال صاحب البيت لصديقيه: أما تعلمان ني أعطيت في هذه الجارية ثلاثين ألف درهم فامتنعت عن بيعها؟ قالا: نعم.
قال: هي له.
فقال صديقاه: علينا عشرون ألف درهم وعليك عشرة آلاف درهم.
قال مخارق: فملكوني الجارية، وجلست عندهم إلى العصر وانصرفت بها وكلما مررت بالمواضع التي شتمتني فيها أقول: يا مولاتي، أعيدي كلامك فتستحي مني، فأحلف عليها لتعيدنه، فتعيده حتى وصلت إلى أمير المؤمنين فقيل لي أنه انتبه فطلبك في منازل أبناء القواد فلم يجدك، وتغيظ غيظاً شديداً، فدخلت عليه ويدي في يدها، فلما رآني سبني وشتمني، فقلت: يا أمير المؤمنين لا تعجل! وحدثته الحديث فضحك، وقال: ها نحن نكافئهم عنك، فأحضرهم وأمر لكل واحد منهم بثلاثين ألف درهم، والله أعلم، انتهى.