فقال الحجاج: يا خالد، مر للفتى بثياب ديباج وفرس أرمنية وجارية وبرذون وغلام وعشرة آلاف درهم. وقال: يا فتى اغد إلى خالد غداً حتى تستوفي منه المال.
فخرج الفتى من عند الحجاج، قال: فلما انتهيت إلى باب داري سمعت ابنة عمي تقول: ليت شعري ما أبطأ بابن عمي، أقتل أم مات أم عرض له سبع؟
قال: فدخلت عليها وقلت: يا ابنة عمي أبشري وقري عيناً فإني أدخلت على الحجاج فكان من القصة كيت وكيت. وحكيت لها ما كان من أمري، فلما سمعت الفتاة مقالتي لطمت وجهها وصاحت، فسمع أبوها وأمها وأخواتها صراخها فدخلوا عليها وقالوا لها: ما شأنك؟ فقالت لأبيها: لا وصل الله رحمك ولا جزاك عني وعن ابن أخيك خيراً جفوته وضيعته حتى أصابته الخفة وذهب عقله اسمع مقالته.
فقال العم: يا ابن أخي ما حالك؟ فقلت: والله ما بي من بأس إلا أني دخلت على الحجاج وذكر له من أمره ما كان وأنه أمر له بمال جزيل.
فقال العم لما سمع مقالته: هذه مرة صفراء ثائرة فباتوا يحرسونه تلك الليلة فلما أصبحوا بعثوا إلى المعالج فجعل يعالجه ويسعطه مرة ويسهله أخرى، فيقول الفتى: والله ما بي من بأس وإنما أدخلت على الحجاج فكان كيت وكيت. فلما رأى الفتى أن ذكر الحجاج لا يزيده إلا بلاء كف عنه وعن ذكره ثم قال له: ما تقول في الحجاج؟ قال: ما رأيته. ثم خرج المعالج فقال لهم قد ذهب عنه الأذى ولكن لا تعجلوا بحل قيده فبقي الفتى مقيداً مغلولاً.
فلما كان بعد أيام ذكره الحجاج فقال: يا خالد ما فعل الفتى؟ فقال: أصلح الله الأمير ما رأيته منذ خرج من حضيرة الأمير.
قال: فابعث إليه أحداً.
قال: فبعث إليه خالد حرسياً، فمر الحرسي على عم الفتى فقال له: ما فعل ابن أخيك؟ فإن الحجاج يطلبه.
قال: إن ابن أخي لفي شغل عن الحجاج قد ابتلى ببلاء في عقله.
قال: لا أدري ما تقول، لا بد من الذهاب به الساعة.
فدخل عليه العم فقال: يا ابن أخي، إن الحجاج قد بعث في طلبك أفأحلك؟ قال: لا، إلا بين يديه.