للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالت: اعلم يا ابن طاهر، إنا والله كنا فما حمدنا، ثم بنا فما ندمنا وهذه المائتا ألف هي لك ببشارتك بخلاصي من كلب ثقيف.؟ ثم بعد ذلك بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان خبرها، ووصف له جمالها، فأرسل إليها يخطبها لنفسه، فأرسلت إليه كتاباً تقول فيه بعد الثناء عليه: اعلم يا أمير المؤمنين، أن الكلب ولغ في الإناء. فلما قرأ عبد الملك بن مروان الكتاب ضحك من قولها، وكتب إليها يقول: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، إحداهن بالتراب، فغسل الإناء يحل الاستعمال.

فلما قرأ كتاب أمير المؤمنين، لم يمكنها المخالفة فكتبت إليه تقول: بعد الثناء عليه، اعلم يا أمير المؤمنين أني لا أجري العقد إلا بشرط، فإن قلت: ما الشرط؟ أقول: أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدتك التي أنت فيها ويكون ماشياً حافياً بحليته التي كان فيها أولاً.

فلما قرأ ذلك الكتاب عبد الملك ضحك ضحكاً شديداً، وأرسل إلى الحجاج يأمره بذلك. فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب ولم يخالف وامتثل الأمر.

وأرسل الحجاج إلى هند يأمرها بالتجهز فتجهزت وسار الحجاج في موكبه حتى وصل إلى المعرة بلد هند. فركبت في محمل وركب حولها جواريها وخدمها فترجل الحجاج، وهو حاف، وأخذ بزمام البعير يقوده ويسير بها، فأخذت تهزأ منه وتضحك مع الهيفاء دابتها، ثم إنها قالت لدايتها: يا دايتي اكشفي لي ستارة المحمل لنشم رائحة النسيم! فكشفته فوقع وجهها في وجهه فضحكت عليه، فأنشد يقول:

فإن تضحكي يا هند يا رب ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرج

فأجابته تقول:

وما نبالي إذا أرواحنا سلمت ... بما فقدناه من مال ومن نشب

فالمال مكتسب والعز مرتجع ... إذا النفوس وقاها الله من عطب

ولم تزل تلعب وتضحك إلى أن قربت من بلد الخليفة فلما قربت من البلد رمت من يدها ديناراً على الأرض وقالت: يا جمال! إنه سقط منا درهم فادفعه إلينا. فنظر الحجاج إلى الأرض فلم ير إلا ديناراً فقال: إنما هو دينار. فقالت: بل درهم. قال: بل دينار. فقالت: الحمد لله سقط منا درهم فعوضنا الله ديناراً. فخجل الحجاج وسكت ولم يرد جواباً ثم دخل بها على عبد الملك بن مروان فتزوج بها وكان من أمرها ما كان.

<<  <   >  >>