قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت فوضعه بين يديه. فقال سعيد: إن كنت جمعت هذا لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا.
ثم دعا الحجاج بآلات اللهو. فبكى سعيد. فقال الحجاج: ويلك يا سعيد اختر أي قتلة تريد؟ قال: اختر لنفسك يا حجاج فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة.
قال: أفتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان العفو من الله بلى، وأما أنت فلا.
قال: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرج من الباب ضحك فأخبر الحجاج بذلك فأمر برده وقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جراءتك على الله وحلم الله عليك.
فأمر بالنطع فبسط بين يديه وقال: اقتلوه! قال: " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ".
قال: وجهوه لغير القبلة.
قال سعيد:" فأينما تولوا فثم وجه الله ".
قال: كبوه لوجهه، فقال سعيد:" منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ".
فقال الحجاج: اذبحوه.
فقال سعيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
فذبح على النطع، رحمه الله تعالى. فكان رأسه بعد قطعه يقول لا إله إلا الله. وعاش الحجاج بعدها خمسة عشر يوماً. وذلك في سنة خمس وتسعين وكان عمر سيعد رضي الله عنه تسعاً وأربعين سنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.