للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأمر به إلى الحبس ثم أنفذ إليه من يطالبه فأرسل يقول: إني لست ممن يصون ماله بعرضه فاصنع ما شئت.

فأمر أن يكبل بالحديد فأقام شهراً كذلك أو أكثر فأضناه ذلك وأضر به، وبلغ ابنة عمه خبره فجذعت واغتمت لذلك ثم دعت مولاة لها، وكانت ذات عقل ومعرفة، وقالت لها: امض الساعة إلى باب هذا الأمير خزيمة بن بشر وقولي: عندي نصيحة، فإذا طلبت منك فقولي: لا أقولها إلا للأمير خزيمة بن بشر، فإذا دخلت عليه فسليه أن يخليك، فإذا فعل ذلك فقولي: ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك. كافأته بالحبس والضيق والحديد.

ففعلت الجارية ذلك. فلما سمع خزيمة كلامها نادى برفيع صوته وا سوأتاه، وإنه لهو؟ قالت: نعم، فأمر لوقته بدابته فأسرجت وبعث إلى وجوه أهل البلد فجمعهم إليه وأتى بهم إلى باب الحبس ففتح ودخل خزيمة ومن معه فرآه قاعداً في قاعة الحبس متغيراً أضناه الضر والألم وثقل القيود فلما نظر إليه عكرمة والى الناس أحشمه ذلك فنكس رأسه فأقبل خزيمة حتى أكب على رأسه فقبله فرفع عكرمة إليه رأسه وقال: ما أعقب هذا منك؟ قال: كريم فعالك وسوء مكافأتي.

قال: يغفر الله لنا ولك.

ثم أتي بالحداد ففك القيود عنه وأمر خزيمة أن توضع القيود في رجل نفسه.

فقال عكرمة: ماذا تريد.؟ فقال: أريد أن ينالين من الضر مثل ما نالك.

فقال: أقسم عليك بالله لا تفعل.

فخرجا جميعاً حتى وصلا إلى دار خزيمة فودعه عكرمة وأراد الانصراف عنه. فقال: ما أنت ببارح.

قال: وما تريد؟ قال: أغير حالك وإن حيائي من بنت عمك أشد من حيائي منك.

ثم أمر بالحمام فأهلي ودخلاه معاً فقام خزيمة وتولى أمره وخدمه بنفسه ثم خرجا فخلع عليه وحمله وحمل معه مالاً كثيراً ثم سار معه إلى داره واستأذنه في الاعتذار إلى ابنة عمه، فاعتذر إليها وتذمم من ذلك.

<<  <   >  >>