فقلت لأصحابي: افرشوا الفراش، ففرش لي وجلست من الغد أرقبه، وإذا هو قد أقبل وعليه بردان قد ائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، حافي الرجلين، ومعه عشرة معهم الحراب: ثلاثة يقدمونه وسبعة خلفه، فاستصغرت أمره وسولت لي نفسي قتله، فلما قرب إذا سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ قالوا: الخيل. فوافى بها عشرة آلاف عنان، ووافت الخيل عند دخوله فأحدقوا بنا، فلما دخل جلس على الأرض، قال: فقلت لترجمانه: لِمَ لمْ يقعد على الموضع الذي وطئ له؟ فسأله، فقال: قل له إنه ملك وكل ملك حقه أن يكون متواضعاً لله وعظمته إذ رفعه الله على عباده.
ثم نكت بإصبعه الأرض طويلاً ورفع رأسه وقال: قل له كيف سلبتم هذا الملك، فأخذ منكم وأنتم أقرب الناس إلى نبيكم؟ فقلت: جاء من هو أقرب منا قرابة إليه، فسلبنا وغلبنا وطردنا فخرجت إليك مستجيراً بالله، ثم بك.
قال: فلم كنتم تشربون الخمر وهو محرم عليكم؟ قلت: فعل ذلك عبيد وأعاجم دخلوا في ديننا وفي ملكنا من غير رأينا.
قال: فلم تركبون على الديباج وعلى خيولكم سروج الذهب والفضة وهي محرمة عليكم؟ قلت: فعل ذلك عبيد وأعاجم دخلوا في ديننا وفي ملكنا بغير رأينا.
قال: فلم كنتم إذا خرجتم إلى الصيد مررتم على القرى وكلفتم أهلها ما لا طاقة لهم به بالضرب والإهانة ولا يقنعكم ذلك حتى تحطموا زرعهم في طلب دراج قيمته نصف درهم، والتكليف والعناء محرم عليكم؟ قلت: فعل ذلك عبيد وغلمان وأتباع.
قال: لا! ولكنكم استحللتم ما حرم الله عليكم وأتيتم ما نهاكم الله عنه فسلبكم العز وألبسكم الذل ونصر أعداءكم عليكم، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد، وإني أخاف أن تنزل بك النقمة إذ كنت من الظلمة فتشملني معك، فإن النقمة إذا نزلت شملت، فاخرج بعد ثلاث، فإن وجدتك بعدها أخذت ما معك وقتلتك ومن معك.
ثم وثب قائماً وخرج وقمت ثلاثاً ورجعت إلى مصر فأخذني عاملك وبعث بي إليك، وها أنا ذا والموت أحب إلي من الحياة.
فرق له المنصور وهم بإطلاقه، فقال له إسماعيل بن علي: في عنقي بيعة هذا.
قال: فما ترى؟ قال: ينزل في دار من دورنا ويجري عليه ما يجري على مثله.