فأمر له بعِشرة آلاف درهم وأمر بأن يؤخذ له كفيل ليحضر من غد ذلك اليوم فقبض المال وقال له: من يكفلك؟ فمد عينه إلى خادم حسن الوجه والزي وقال: هذا يكفلني.
فقال له المهدي: أكفله يا غلام؟
فاحمر وخجل، وقال: نعم يا أمير المؤمنين، فكفله وانصرف سعيد بن عبد الرحمن بالعشرة آلاف درهم. فلما كانت تلك الليلة رأى المهدي ما ذكره له سعيد حرفاً بحرف وأصبح سعيد فوافى الباب واستأذن، فأذن له. فلما وقعت عين المهدي عليه قال له: أين مصداق ما قلت لنا عليه؟ فقلت له: وما رأى أمير المؤمنين. فضحك في جوابه، فقال له: امرأتي طالق إن لم تكن رأيت شيئاً؟ فقال: لأني أحلف على صدق.
قال له المهدي: فقد والله رأيت ذلك مبيناً.
فقال سعيد: الله أ: بر، فأنجز لي يا أمير المؤمنين ما وعدتني.
قال: حباً وكرامة.
ثم أمر له بثلاثة آلاف دينار وعشر تخوت ثياب من كل صنف وثلاثة مراكب من أنفس دوابه محلاةً، فأخذ ذلك وانصرف فلحق به الخادم الذي كان كفله. وقال: سألتك بالله هل لهذه الرؤيا من أصل؟ فقال سعيد: لا والله.
فقال الخادم: كيف وقد رأى أمير المؤمنين ما ذكرته؟ قال: هذا من المخاريق التي لا أب لها، وذلك أني لما ألقيت هذا الكلام خطر بباله وحدث به نفسه وأسرى به قلبه واشتغل به فكره ففي ساعة نام خيل له ما حل في قلبه واشتغل به فكره فنام فرآه.
فقال له الخادم: قد حلفت بالطلاق.
قال: طلقة واحدة وبقيت معي على اثنتين وأزيد مهرها عشرة دراهم. وأتحصل على عشرة آلاف درهم وثلاثة آلاف دينار وعشرة تخوت من أصناف الثياب، وثلاثة مراكب فارهة.
فبهت الخادم وتعجب من ذلك. فقال له سعيد: قد صدقتك وجعلت ذلك مكافأتك على كفالتك فاستر علي.
ثم طلبه المهدي لمنادمته فنادمه وحظي عنده وقلده القضاء على العسكر. فلم يزل كذلك حتى مات. انتهى.