فقال لها أمير المؤمنين: أنت من أي هذا الحي؟ قالت: من أوسطه بيتاً، وأعلاه عموداً.
فعلم أمير المؤمنين أنها بنت كبير الحي. ثم قالت: وأنت من أي راعي الخيل؟ فقال: من أعلاها شجرة وأينعها ثمرة.
فقبلت الأرض وقالت: أيد الله أمير المؤمنين ودعت له ثم انصرفت مع بنات العرب.
فقال الخليفة لجعفر: لا بد من أخذها فتوجه جعفر إلى أبيها، وقال له: أمير المؤمنين يريد بنتك.
فقال: حباً وكرامة، تهدى جارية إلى أمير المؤمنين مولانا.
ثم جهزها وحملها إليه فتزوجها ودخل بها فكانت عنده من أعز نسائه وأعطى والدها ما يستره بين العرب من الأنعام. ثم بعد مدة انتقل والدها بالوفاة إلى رحمة الله تعالى، فورد على الخليفة خبر وفاته فدخل عليها وهو كئيب، فلما شاهدته وعليه الكآبة، نهضت ودخلت إلى حجرتها وقلعت ما عليها من الثياب الفاخرة ولبست ثياب الحزن وقامت النعي له.
فقيل لها: ما سبب هذا؟ فقالت: مات والدي، فمضوا إلى الخليفة فأخبروه فقام وأتى إليها وسألها من أعلمها بهذا الخبر؟ قالت: وجهك يا أمير المؤمنين.
قال: كيف ذلك؟ قالت: منذ أنا عندك ما رأيتك هكذا ولم يكن لي من أخاف عليه إلا والدي لكبره، ويعيش رأسك أنت يا أمير المؤمنين. فترغرغت عيناه بالدموع وعزاها فيه، وقامت مدة، وهي حزينة على والدها ثم لحقت به رحمة الله عليهم أجمعين.