للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يتعلق بها من أعمال القلوب هو من الفقه في الدين ونعت أوصاف المؤمنين إذ مقتضاه الإنذار والتحذير لقوله تعالى: (لِيَتفَقَّهُوا في الدينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) التوبة: ١٢٢ الآية، ولقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعلموا اليقين فإني متعلم معكم ولقول الصحابة رضي الله عنهم تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً فهذا مزيداً الهداية بالإيقان وهو زيادة المؤمنين في الإيمان كما قال تعالى: (فَزَادَهُمْ إيماناً) آل عمران: ١٧٣ وقال عزّ وجلّ: (ويَزَيدُ الله الَّذينَ اهْتَدَوْا هُدىً) مريم: ٧٦ ولا يشعر أن حسن الأدب في المعاملة بمعرفة ويقين هو من صفات الموقنين وذلك هو حال العبد في مقامه بينه وبين ربه عزّ وجل ونصيبه من ربه تعالى، وحظه من مزيد آخرته.

وذلك معقود بشهادة التوحيدالخالصة المقترنة بالإيمان من خفايا الشرك وشعب النفاق وهو مقترن بالفرائض وفرض فرضها الإخلاص بالمعاملة وإن علم ما سوى هذا مما قد أشرب قلبه وحبب إليه من فضول العلوم وغرائب الفهوم إنما هو حوائج الناس ونوازلهم فهو حجاب عن هذا واشتغال عنه، فآثر هذا الغافل لقلة معرفته بحقيقة العلم النافع ما زين له طلبه وحبّب إليه قصده، آثر حوائج الناس وأحوالهم على حاجته وحاله وعمل في أنصبتهم منه في عاجل دنياهم من نوازل طوارقهم وفتياهم ولم يعمل في نصيبه الأوفر من ربه الأعلى لأجل آخرته التي هي خبر وأبقى إذ مرجعه إليها ومثواه المؤبد فيها، فآثر التقرب منهم على القربة من ربه عزه وجلّ وترك للشغل بهم حظه من الله تعالى إلا جزل وقدم التفرغ لهم على فراغ قلبه لما قدم لغده من تقواه بالشغل بخدمة مولاه وطلب رضاه واشتغل بصلاح ألسنتهم عن صلاح قلبه وظواهر أحوالهم عن باطن حاله وكان سبب ما بلي به حب الرياسة وطلب الجاه عند الناس والمنزلة بموجب السياسة والرغبة في عاجل الدنيا وعزها بقلة الهمة وضعف النية في عاجل الآخرة وذخره فأفنى أيامه لأيامهم وأذهب عمره في شهواتهم ليسميه الجاهلون بالعلم عالماً وليكون في قلوب البطالين عندهم فاضلاً فورد القيامة مفلساً وعندما يراه من أنصبة المقربين مبلساً إذ فاز بالقرب العاملون وريح الرضا العالمون ولكن أنّى له وكيف بنصيب غيره؟ وقد جعل الله تعالى لكل عمل عاملاً ولكل علم عالماً أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب كل ميسر لما خلق له هذا فصل الخطاب بينهما فإن الأمة لم تختلف، إن علم التوحيد فريضة سيما إذا وقعت الشبهات وأدخلت فيه المشكلات وإنما اختلفوا في مسألتين أي شيء هو التوحيد وفي كيفية طلبه والتوصل إليه، فمنهم من قال بالبحث والطلب ومنهم من يقول بالاستدلال والنظر، ومنهم من قال بالسمع والأثر، وقال بعضهم: بالتوقيف والتسليم وقال بعض الناس: يدرك دركه بالعجز والتقصير عن بلوغ دركه، والرجل الخامس

<<  <  ج: ص:  >  >>