للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ركبتيه فقال: يا صاحب رسول الله أخبرنا بتفسير ما رويت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نفقه فيه، فسكت الصحابي وقال ما عندي إلاما سمعت، قال: فابتدأ الحسن رحمه الله يفسر ما رواه، فقال: أما الحديث الأوّل الذي حدثتنا به فإن تفسيره كيت وكيت والحديث الثاني تفسيره كذا وكذا حتى سرد عليه الأحاديث كلها التي حدثنا بها وأخبرنا بتفسيرها، قال: فلا ندري نعجب من حسن حفظه إياه وأدائه الحديث أو من علمه وتفسيره، قال: فأخذ الصحابي كفاً من حصى وحصينا به ثم قال: تسألوني عن العلم وهذا الحبر بين أظهركم فهؤلاء أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يردون الأمور في الفتيا وعلم اللسان إلى من هو دونهم في القدر والمنزلة وهو في علم التوحيد والمعرفة والإيمان فوقهم درجات ولا يرجعون إليهم في الشبهات ولا يردون إليهم في علم المعرفة واليقين فهذا كما قيل: إنما العلم نور يقذفه الله تبارك وتعالى في قلوب أوليائه فقد يكون ذلك تفضيلاً للنظراء بعضهم على بعض، وقديكون تخصيصاً للشباب على الشيوخ ولمن جاء بعد السلف من التابعين وربما كان تكرمة للخاملين المتواضعين لينبه عليهم ويعرفون شأنهم ليعظمواويرفعوا كما قال الله تعالى: (وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ على الَذينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرضِ وَنَجْعَلهُمْ أَئِمَّةً) القصص: ٥ والنور إذا جعل في الصدر انشرح القلب بالعلم ونظر باليقين فنطق اللسان بحقيقة البيان وهو الحكمة التي يودعها الله تعالى في قلوب أوليائه كما جاء في تفسير قوله عز وجلّ: (وَآتيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وفَصْلَ الْخِطابِ) ص: ٢٠ قيل: الإصابة في القول فكأنه يوفقه للحقيقة وقوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ ومنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فقدْ أُوتيَ خيْراً كَثيراً) البقرة: ٢٦٩ قيل: الفهم والفطنة.

وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصف الهداية حين تلا قوله عزّ وجلّ (فَمَنْ يُرِدِ الله أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ) الأنعام: ١٢٥ فقيل: يا رسول الله ما هذا الشرح؟ فقال: إن النور إذا قذف في القلب انشرح له الصدر وانفسح، قيل: فهل لذلك من علامة؟ قال: نعم التجافي عن دارالغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله فذكر سببه الزهدفي الدنياوالإقبال على خدمة المولى وحسن التوفيق والإصابة في العلم مواهب من اللهّ عزّ وجلّ وأثرة يختص بها من يشاء كما سئل أبو موسى الأشعري وهو أمير الكوفة عن رجل قتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر أين هو؟ فقال أبو موسى: في الجنة، فقال ابن مسعود للسائل: أعد على الأمير فتياك فلعله لم يفهم، قال السائل: قلت أيها الأمير ما قولك في رجل قاتل في سبيل الله فقتل مقبلاً غير مدبر أين هو؟ فقال أبو موسى: في الجنة، فقال ابن مسعود رضي الله عنه أعد على الأمير فلعله لم يفهم فأعاد عليه ثلاثاً كل ذلك يقول أبو موسى في الجنة، ثم قال ما عندي غير هذا فما تقول أنت؟ فقال ابن مسعود لكني لا أقول هكذا، قال: فما قولك؟ فقال: أقول إن قتل في سبيل الله فأصاب الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>