للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو في الجنة فقال أبو موسى صدق لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم والقول في تسليم أخبار الصفات والسكوت عن تفسيرها كما قال أصحاب الحديث إلا أن بمعرفة معاني الأسماء والصفات وشهودها ينفي الظن والوسواس فيها وترك التشبيه والتمثيل بها والطمأنينة إلى اليقين بالمعرفة بمشاهدتها هو مقام الموقنين واعتقاد أنها صفات لله تعالى يتجلى بها وبما شاء من غيرها بلا حد ولا عدد يظهر بصفة صفة كيف شاء غير موقوف على صفة ولا محكوم عليه بصورة بلا إظهار غيرته بل هو كيف ظهر وبأي وصف تجلّى مع نفي الكيفية والمثلية لفقد الجنس والجوهرية هو مقام المقربين من الشهداء، وهؤلاء هم الصديقون وخصوص الموقنين فمن عدل به عن وجهة هؤلاء ولم يواجه بشهادتهم عدل إلى التسليم والتصديق فوقف عنده فكان معقله واستراحته وليس بعد هؤلاء مقام يمدح ولا وصف يذكرفمن فتش ذلك بعقله وفسره برأيه دخل عليه التشبيه أو خرج إلى النفي والإبطال.

ومن الدليل على فضل هذا العلم على سائر العلوم ما جاء في الأخبار المأثورة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن الصحابة والتابعين في فضل مجالس الذكر وفضل الذاكرين: إنما يريدون به علم الإيمان والمعرفة وعلوم المعاملات والتفقه في بصائر القلوب والنظر بعين اليقين إلى سرائر الغيوب وليس يريدون به مجالس القصص ولا يعنون بذلك القصاص لأنهم كانوا يرون القصص بدعة ويقولون لم يقص في زمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبي بكر ولا عمر حتى ظهرت الفتنة فلما وقعت الفتنة ظهر القصاص ولما دخل علي رضي اللهّ عنه البصرة جعل يخرج القصاص من المسجد ويقول: لا يقصّ في مسجدنا حتى انتهى إلى الحسن وهو يتكلم في هذا العلم فاستمع إليه ثم انصرف ولم يخرجه وجاء ابن عمر إلى مجلسه من المسجد فوجد قاصّاً يقصّ فوجّه إليه صاحب الشرطة أن أخرجه من المسجد فأخرجه، فلو كان القصص من مجالس الذكر والقصّاص علماء لما أخرجهم ابن عمر من المسجد، هذا مع ورعه وزهده، وقد روينا عن ابن شوذب عن أبي التياح قال: قلت للحسن إمامنا يقصّ فيجتمع الرجال والنساء فيرفعون أصواتهم بالدعاء ويمدون أيديهم فقال الحسن: رفع الصوت بالدعاء بدعة ومدّ الأيدي بالدعاء بدعة، وروى أبو الأشهب عن الحسن: القصص بدعة، وقيل لابن سيرين: لو قصصت على إخوانك فقال: قد قيل لا يتكلم على الناس إلا أحد ثلاثة: أمير أو مأمور أو أحمق فلست بأمير ولا مأمور وأكره أن أكون الثالث.

وروينا عن عون بن موسى عن معاوية بن قرة قال: سألت الحسن البصري قلت: أعود مريضاً أحبّ إليك أوأجلس إلى قاصّ، فقال: عد مريضك فقلت أشيع جنازة أحبّ إليك أو أجلس إلى قاصّ قال: شيع جنازتك قلت: وإن استعان بي رجل في حاجة أعينه

<<  <  ج: ص:  >  >>