للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن آخر من مات من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبصرة أنس بن مالك وبالمدينة سهل بن سعد الساعدي ومكة أبو الطفيل وباليمن أبيض بن جمال المازني وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى وبالشام أبو قرصافة وبخراسان بريدة الأسلمي ودخلت سنة مائة من التاريخ ولم يبق على وجه الأرض عين تطرف رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع أطراف الأرض ثم توفي الحسن في سنة عشر ومائة وكان أبو قتادة العدوي يقول: عليكم بهذا الشيخ فو الله ما رأينا أحداً لم يصحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشبه بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه وكانوا يقولون كنا نشبهه بهدى إبراهيم الخليل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حلمه وخشوعه ووقاره وسكينته فكان على شمائله ونذرت امرأة بالبصرة نذراً إن فعل الله تعالى ذلك بها أن تنسج ثوباً من غزلها وصفته وتكسوه خير أهل البصرة فرأت تمام نذرها فوفت بما نذرت ثم سألت: من خير أهل البصرة؟ فقالوا: الحسن، وكان الحسن رضي الله عنه أول من أنهج سبيل هذا العلم وفتق الألسنة به ونطق بمعانيه وأظهر أنواره وكشف به قناعه وكان يتكلم فيه بكلام لم يسمعوه من أحد من إخوانه فقيل له: يا أبا سعيد إنك تتكلم في هذا العلم بكلام لم نسمعه من أحد غيرك، فممّن أخذت هذا؟ فقال: من حذيفة بن اليمان قيل: وقالوا الحذيفة بن اليمان نراك تتكلم في هذا العلم بكلام لا نسمعه من أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن أين أخذته فقال خصّني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان الناس يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه وعلمت أن الخير لا يسبقني وقال مرة فعلمت أن من لا يعرف الشر لا يعرف الخير.

وفي لفظ آخر كان الناس يقولون يا رسول الله مالمن عمل كذا وكذا يسألونه عن فضائل الأعمال وكنت أقول: يا رسول الله ما يفسد كذا وكذا؟ فلما رآني أسأل عن آفات الأعمال خصني بهذا العلم وكان حذيفة قد خص بعلم المنافقين وأفرد بمعرفة علم النفاق وبسرائر العلم ودقائق الفهم وخفايا اليقين من بين الصحابة فكان عمر وعثمان وأكابر أصحاب رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألونه عن الفتن العامة والفتن الخاصة ويرجعون إليه في العلم الذي خصه به ويسألونه عن المنافقين وهل بقي منهم ممن ذكر الله تعالى وأخبر عنهم أحد فكان يخبر بأعدادهم ولا يذكر أسماءهم وكان عمر يستكشفه عن نفسه هل يعلم فيه شيئاً من النفاق فبرأه منه ثم يسأله عن علامات النفاق وآية المنافق فيخبر من ذلك بما يصلح مما أذن له فيه ويستعفي مما لا يجوز له أن يخبر به فيعذر في ذلك وكان عمر رضي الله عنه إذا دعي إلى جنازة ليصلي عليها نظر فإن حضر حذيفة صلّى عليها وإن لم ير حذيفة لم يصل عليها وكان حذيفة يسمى صاحب السر وكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سئلوا عن علم يقول أحدهم تسألوني عن هذا وصاحب السر فيكم يعني حذيفة.

وروينا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه لما حدث عن النبي في فضل مجلس الذكر لأن أقعد مع قوم يذكرون اللّّه تعالى من غدوة إلى طلوع الشمس أحبّ إليّ من أن

<<  <  ج: ص:  >  >>