للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعتق أربع رقاب، قال: فالتفت إلى يزيد الرقاشي وزياد النميري فقال لم تكن مجالس الذكر مثل مجالسكم هذه يقص أحدكم ويخطب على أصحابه ويسرد الحديث سرداً إنما كما نقعد فنذكر الإيمان ونتدبر القرآن ونتفقه في الدين ونعد نعم الله تعالى علينا وقد كان عبد الله بن رواحة يقول لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعالوا حتى نؤمن ساعة فيجلسون إليه فيذكرهم العلم بالله تعالى والتوحيد والآخرة وكان يخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قيامه فيجتمع إليه الناس يذكرهم الله تعالى وأيامه ويفقههم فيما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فربما خرج عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم مجتمعون عنده فيسكتون فيجلس إليهم ويأمرهم أن يأخذوا فيما كانوا فيه ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا أمرت وإلى هذا دعوت، وروي نحو هذا عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وقد كان يتكلم بهذا العلم، وقد روينا هذا مفسراً في حديث جندب: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن فسمي علم الإيمان إيماناً كما سماه ابن رواحة لأن علم الإيمان وصف الإيمان والعرب تسمي الشيء بوصفه وتسميه بأصله كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثله: تعلموا اليقين، وكما قال تعالى: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ) يوسف: ٨٤ أي من البكاء فسماه بأصله لأن الحزن أصل البكاء.

وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خرج ذات يوم فرأى مجلسين، أحدهما يدعون الله تعالى ويرغبون إليه والآخر يتفقهون في الدين ويعلّمون الناس فوقف بينهما ثم قال: أما هؤلاء فيسألون اللّّه تعالى فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيعلّمون الناس ويفقهون في الدين وإنما بعثت معلماً ثم عدل إلى الذين يفقهون الناس في الدين ويذكرون الله تعالى فجلس معهم، ويحكي عن بعض السلف قال: دخلت المسجد ذات يوم فإذا بحلقتين، أحدهما يقصون ويدعون والأخرى يتكلمون في العلم وفقه الأعمال قال: فملت إلى حلقة الدعاء فجلست إليهم فحملتني عيناي فنمت فهتف بي هاتف أو قال لي شخص: جلست إلى هؤلاء وتركت مجلس العلم أما لو جلست إليهم لوجدت جبريل لله عندهم، فحقيقة الذكر هو العلم بالله تعالى، ألا تسمع إلى ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفضل الذكر قول لا إله إلا الله، وقال سبحانه وتعالى: في تصديق: (فاعْلَمْ أنَّهُ لا إلّهَ إلاَّ اللهُ) محمد: ١٩ وقال في مثله: (فَاعْلَمُوا أنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وأنْ لا إلهِ إلاَّ هُوَ) هود: ١٤، ثم إن العلم من الذكر علم المشاهدة والمشاهدة، صفة عين اليقين فإذا كشف غطا العين شهدت معاني الصفات بأنوارها وهو مزيد نور اليقين الذي هو كمال الإيمان وحقيقته، فهنالك ذكرت الموصوف بمشاهدة المذكور بنور وصفه: ألم تر إلى قولّه تعالى: (كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ في غِطاءٍ عَنْ ذِكْري) الكهف: ١٠١، فمن كانت عينه في كشف من ذكره شهد المذكور فعندها ذكر ثم توجد حقيقة العلم بعد نسيان الخلق كقوله تعالى: (واذْكُرْ رَبَّكَ إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>