للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروينا بمثل معنى هذا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى على طفل منفوس، ففي راوية: إنه سمع يقول في دعائه: اللهم قه عذاب القبر وعذاب جهنم وفي رواية ثانية: إنه سمع قائلة تقول: هنيئًا لك عصفور من عصافير الجنة، فغضب وقال: ما يدريك؟ إنه كذلك والله، إني رسول الله وما أدري ما يصنع بي، إن الله عزّ وجلّ خلق الجنة وخلق لها أهلاً وخلق النار وخلق لها أهلاً لا يزاد فيهم ولاينقص منهم، وقد قاله رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنازة عثمان بن مظعون، وكان من المهاجرين الأول واستشهد لما قالت أم سلمة رضي الله عنها ذلك، وكانت تقول: والله لا أزكي أحدًا بعد عثمان رضي الله عنه، وأعجب من ذلك أنّا روينا عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه أنه قال: والله لا أزكي أحدًا غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبي الذي ولدني قال: فتكلمت الشيعة، فأخذ يذكر من فضائل عليّ كرّم الله وجهه ومناقبه؛ فهذه المعاني أحرقت قلوب الخائفين ولعل ذكر البعد في الأبعاد الذي شيب الحبيب القريب في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شيّبتني هود وأخواتها وسورة الواقعة وإذا الشمس كوّرت وعمّ يتساءلون لأن في سورة هود ألا بعدًا لثمود (ألا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) هود: ٦٠ ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود، وفي سورة الواقعة: (ليْسَ لِوَقعَتِهَا كَاذِبَةٌ) الواقعة: ٢ يعني وقعت السابقة لمن سبقت له وحقّت الحاقة بمن حقّت عليه خافضة رافعة خفضت قومًا في الآخرة كانوا مرفوعين في الدنيا حين ظهرت الحقائق وكشفت عواقب الخلائق، وأما سورة التكوير ففيها خواتم المصير وهي صفة القيامة لمن أيقن وفيها تجلّي معاني الغضب لمن عاين آخر ذلك، وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أُزلفت علمت نفس ما أحضرت هذا فصل الخطاب أي عند تسعير النيران واقتراب الجنان، حينئذ يبتين للنفس ما أحضرت من شرّ يصلح له الجحيم أوخير يصلح له النعيم وتعلم إذ ذاك من أيّ أهل الدارين تكون وفي أيّ منزلين تحلّ، فكم من قلوب قد تقطّعت حسرات على الأبعاد من الجنان بعد اقترابها وكم من نفوس تصاعدت زفرات عن يقينها بمعاينة لنيران أنها تصيبها، وكم من أبصار ذليلة خاشعة لمشاهدة الأهوال، وكم من عقول طائشة لمعاينة الزلزال.

وحدثنا عن أبي سهل رحمه الله تعالى قال: رأيت كأني أدخلت الجنة فلقيت فيها ثلاثمائة نبي، فسألتهم ما أخوف ما كنتم تخافون في الدنيا؟ فقالوا لي: سوء الخاتمة، فالخاتمة هي من مكر الله تعالى الذي لا يوصف، ولا يفطن له ولا عليه يوقف، ولا نهاية لمكره، لأن مشيئته وأحكامه لا غاية لها.

ومن ذلك الخبر المشهور أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجبريل بكيا خوفًا من الله تعالى، فأوحى الله إليهما لم تبكيان وقد أمنتكما؟ فقالا: ومن يأمن مكرك؟ فلولا أنهما علما أن مكره لانهاية له، لأن حكمه لاغاية له، لم يقولا ومن يأمن مكرك مع قوله: قد أمنتكما ولكان قد انتهى مكره بقوله، ولكانا قد وقفا على آخر مكره، ولكن خافا من بقية المكر الذي هو

<<  <  ج: ص:  >  >>