للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإحاطة بشيء من علمه فأحاط عليهم بما شاء، لما أحاط لهم ما شاء فكان الذهب والفضة زبداً طافياً تفرّقه الرياح فيكون فوق الماء متجافياً؛ وهما من معادن الجبال فكانت الجبال عندهم أمواجاً ثابتة بإثبات وساكنة بتسكين تحسبها جامدة، وهي تمر مرّ السحاب صنع الله الذي أتقن كلّ شيء وصارت الأرض بحراً عجاجاً يضرب بالأمواج فيظهر بينهما من المدن والقفار للاستواء والاعوجاج وصار الأنام يسبحون في الأسراب يدبون بين المناكب والأحداب، أظهر فيهما من كل شيء موزون بمقدار، كتنفس النهار في اللّيل وكالغشاء على السيل، ذلك لظهور حكمته وخفيّ قدرته ولطيف صنعه ودقيق صنعته ذلك لشهود نعمته من القيام بشكره وجعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وهم من كلّ حدب ينسلون، إن ربّي لطيف لما يشاء فاجتمع الفرق وارتتق الفتق وغاب كل متفرّق ونطق وكان عرشه على الماء ليبلوكم، فهذه مشاهدة أبناء الآخرة هي أعلى من زهدهم في الدنيا، وافترق الجمع وافتتق الرتق وظهر من الماء كلّ شيء حيّ ظاهر واتسع الفضاء واستتر الغطاء ووجد التفصيل وحكم الحسبان بالتحصيل، كانتا رتقًا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حيّ، أفلايؤمنون هذه مشاهدة أبناء الدنيا هي أعظم عليهم إذا تيقظوا من غيبهم وجاءت سكرة الموت بالحقّ، ذلك ماكنت منه تحيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك عطاءك فبصرك اليوم حديد، والنازعات غرقًا والناشطات نشطًا والسابحات سبحاً؛ هذه مشاهدة العموم عند الموت فيعظمه عليهم بالحسرة والفوت، وقد فرغ الخصوص من نصيبهم لمشاهدته فهم ناظرون إلى مستقبل المزيد مشغولون به عن العبيد قائمون بشاهد الحق لهم متصرفون بإشهاده إياهم ظاهرًا وباطنًا ولطيفاً ومستتراً ومعروفًا ومنكراً واللّّه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون فما غلب عليه لا يظهر وما غلبه عليهم إيامهم قهر، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصدق كلمة قالها الشاعر:

ألا كل شيء ماخلا الله باطل

وقال: فالحقّ والحقّ أقول: خلق سبع سموات ومن الأرض مثهنّ يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كلّ شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكلّ شيء علماً، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لو فسّرت لكم هذه لآية لكفرتم قيل: وكيف؟ قال: كنتم تنكرونها وإنكاركم له كفر بها، وفي لفظ آخر: لو فسّرت الآية التي في سورة النساء القصري لرجمتموني بالحجارة معناه لكفرتموني لأنهم لا يقتلون إلا كافرًا عندهم، وروينا عنه قي قوله تعالى جميعاً منه قال: في كل شيء اسم حرف من أسمائه، فاسم كل شيء من اسمه فإنما أنت بين أسمائه وصفاته وأفعاله ناطقاً بقدرته وظاهراً بحكمته وبمعناه، كان أبو محمد رحمه الله تعالى يتأوّل قوله: ما نزل من السماء أعزّ من اليقين فغابت السبع سبعاً في السبع العلي والسبع السفلي لما طوى نفس الهوى وغابت

<<  <  ج: ص:  >  >>