للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك يشهد أحكامه ويذم المحكوم عليه إذ تعدى حدود أمره، وينفذ علمه بمشيئته ويمقت العاصين له باجتراح نهيه، حكمة منه وعدلاً، كما أنه يشهد يده في العطاء ويمدح المنفقين، ويمضي إرادته بالقضاء بتوفيقه، ويشكر العاملين كرماً منه وفضلاً، كذلك الراضي عنه موافق فيما حكم ومتبع له فيما رسم، ومسلم له فيما قدر وعالم منه راض بما دبر، ومستعمل لما شرع ومواطئ لرسوله، يذم ما ذمه مولاه ويمدح ما مدحه لأجل مولاه لا لأجل نفعه إياه، والتحدث بالأوجاع والإخبار عن المصائب لا ينقص حال الراضي إذا رآها نعمة من الله عليه، وكان القلب مسلماً راضياً غير متسخط ولا متبرم بمر القضاء، وأوّل الرضا الصبر ثم القناعة، ثم الزهد ثم المحبة، ثم التوكل، فالرضا حينئذ حال المتوكل والتوكل مقام الرضا، وقال فضيل: إذا استوى العطاء والمنع عند العبد فهو الرضا، وقال غيره: إذا لم يختلف قلبه في العدم والوجود وفي الصحة والسقم فقد رضي، وقال الثوري: منع الله عطاءه لأنه يمنع من غير بخل ولا عدم، فمنعه اختبار وحسن نظر، وهذا كما قال لأن حقيقة المنع إنما يكون لمن لك عنده شيء فمنعك أو تستحق عليه شيئاً فلم يعطك، فأما من لا تستحق عليه شيئاً، ولا لك معه شيء لأنه الأول قبل كل شيء، والمظهر لكل شيء، والمالك لما أظهر، والمختار لما خلق وليس لأحد من خلقه اختيار، ولا في حكمه اشتراك، له الخلق والأمر ولا يشرك في حكمه أحداً، والعبد لم يكن شيئاً مذكوراً، فكل شيء اختاره فهو عطاء منه على تفاوت مقادير وضروب أحكام، وتصاريف تدبير حلو

ومر ولطف وعنف وشدة ورخاء، وموافقة للنفس ومرفق ومخالفة لما يهوى مما لطبعها لا يوافق، فالصبر على الأحكام مقام المؤمنين والرضا بها مقام الموقنين، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون، واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين، واعلم أنّ الرضا في مقامات اليقين وأحوال المحبين، ومشاهدة المتوكلين وهو داخل في كل أفعال الله سبحانه لأنها عن قضائه، لا يكون في ملكه إلاّ ما قضاه فعلى العارفين به الرضا بالقضاء، ثم يرد ذلك إلى تفصيل العلم وترتيب الأحكام، فما كان من خير وبرّ أمر به أو ندب إليه، رضي به العبد وأحبه شرعاً وفعلاً ووجب عليه الشكر، وماكان من شرّ نهى عنه وتهدد عليه، فعلى العبد أن يرضى به عدلاً وقدراً ويسلمه لمولاه حكمة وحكماً، وعليه أن يصبر عنه ويقر به ذنباً ويعترف به لنفسه ظلماً، ويرضى بعود الأحكام عليه بالعقاب، وأنه اجترحه بجوارحه اكتساباً ورضاً بأنّ لله الحجة البالغة عليه، وأنّ لا عذر له فيه، ويرضى بأنّه في مشيئة الله عزّ وجلّ من عفو عنه برحمته وكرمه إن شاء، أو عقوبة له بعدله وحقّه إن شاء، وفصل الخطاب أنه يرضى بسوء القضاء عقد إلا من نفسه فعلاً، ويرضى به عن الله ولا يرضى به من نفسه لأنّ الموقنين والمحبين لا يسقطون الأمر بالمعروف والنهي عن

<<  <  ج: ص:  >  >>