للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنكر، ولا ينكرون إنكار المعاصي وكراهتها بالألسنة والقلوب من قبل أنّ الإيمان فرضها، والشرع ورد بها ولأنّ الحبيب كرهها، فكانوا معه فيما كره كما كانوا معه فيما أحبّ، ومقام اليقين لا يسقط فرائض الإيمان، ومشاهدة التوحيد لا تبطل شرائع الرسول ولا تسقط أتباعه، فمن زعم ذلك فقد افترى على الله ورسوله، وكذب على الموقنين والمحبين، ألم ترَ أنّ الله تعالى ذم قوماً رضوا بالدنيا ورضوا بالمعاصي ورضوا بالتخلف عن السوابق، فقال سبحانه: (رَضُوا بالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا) يونس: ٧، فذمهم بذلك وقال تعالى: (وَلِتَصْغى إلَيْهِ أفْئِدَةُ الَْذينَ لاَيُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ وَلِيرْضَوْهُ وَلِيَقْترِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) الأنعام: ١١٣، فعابهم به وقال تعالى: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ) التوبة: ٨٧، يعني النساء، وهذا جمع التأنيث وطبع على قلوبهم، فهم لا يفقهون، فمن رضي بالمعاصي والمناكير منه أو من غيره، وأحب لأجلها ووالى ونصر عليها أو ادّعى أنّ ذلك في مقام الرضا الذي يجازى عليه بالرضا أو أنه حال الراضين الذين وصفهم الله تعالى ومدحهم، فهو مع هؤلاء الذين ذم الله ومقت. ومر ولطف وعنف وشدة ورخاء، وموافقة للنفس ومرفق ومخالفة لما يهوى مما لطبعها لا يوافق، فالصبر على الأحكام مقام المؤمنين والرضا بها مقام الموقنين، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون، واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين، واعلم أنّ الرضا في مقامات اليقين وأحوال المحبين، ومشاهدة المتوكلين وهو داخل في كل أفعال الله سبحانه لأنها عن قضائه، لا يكون في ملكه إلاّ ما قضاه فعلى العارفين به الرضا بالقضاء، ثم يرد ذلك إلى تفصيل العلم وترتيب الأحكام، فما كان من خير وبرّ أمر به أو ندب إليه، رضي به العبد وأحبه شرعاً وفعلاً ووجب عليه الشكر، وماكان من شرّ نهى عنه وتهدد عليه، فعلى العبد أن يرضى به عدلاً وقدراً ويسلمه لمولاه حكمة وحكماً، وعليه أن يصبر عنه ويقر به ذنباً ويعترف به لنفسه ظلماً، ويرضى بعود الأحكام عليه بالعقاب، وأنه اجترحه بجوارحه اكتساباً ورضاً بأنّ لله الحجة البالغة عليه، وأنّ لا عذر له فيه، ويرضى بأنّه في مشيئة الله عزّ وجلّ من عفو عنه برحمته وكرمه إن شاء، أو عقوبة له بعدله وحقّه إن شاء، وفصل الخطاب أنه يرضى بسوء القضاء عقد إلا من نفسه فعلاً، ويرضى به عن الله ولا يرضى به من نفسه لأنّ الموقنين والمحبين لا يسقطون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ينكرون إنكار المعاصي وكراهتها بالألسنة والقلوب من قبل أنّ الإيمان فرضها، والشرع ورد بها ولأنّ الحبيب كرهها، فكانوا معه فيما كره كما كانوا معه فيما أحبّ، ومقام اليقين لا يسقط فرائض الإيمان، ومشاهدة التوحيد لا تبطل شرائع الرسول ولا تسقط أتباعه، فمن زعم ذلك فقد افترى على الله ورسوله، وكذب على الموقنين والمحبين، ألم ترَ أنّ الله تعالى ذم قوماً رضوا بالدنيا ورضوا بالمعاصي ورضوا بالتخلف عن السوابق، فقال سبحانه: (رَضُوا بالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا) يونس: ٧، فذمهم بذلك وقال تعالى: (وَلِتَصْغى إلَيْهِ أفْئِدَةُ الَْذينَ لاَيُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ وَلِيرْضَوْهُ وَلِيَقْترِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) الأنعام: ١١٣، فعابهم به وقال تعالى: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ) التوبة: ٨٧، يعني النساء، وهذا جمع التأنيث وطبع على قلوبهم، فهم لا يفقهون، فمن رضي بالمعاصي والمناكير منه أو من غيره، وأحب لأجلها ووالى ونصر عليها أو ادّعى أنّ ذلك في مقام الرضا الذي يجازى عليه بالرضا أو أنه حال الراضين الذين وصفهم الله تعالى ومدحهم، فهو مع هؤلاء الذين ذم الله ومقت.

وفي الخبر الدال على الشرّ كفاعله، وعن ابن مسعود أنّ العبد ليغيب عن المنكر ويكون عليه مثل وزر فاعله، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يبلغه فيرضى به، وقد جاء في الحديث لو أنّ عبداً قيل بالمشرق ورضي بقتله آخر بالمغرب، كان شريكه في قتله، وقد روينا حديثاً حسناً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق مرسل: من نظر إلى مَنْ فوقه في الدين وإلى مَنْ دونه في الدنيا كتبه الله صابراً شاكراً، ومَنْ نظر إلى مَنْ دونه في الدين وَمنْ فوقه في الدنيا لم يكتبه الله صابراً ولا شاكراً، وقد غلط في باب الرضا بعض البطالين من المتأخرين، ممن لا علم له ولا يقين، فحمل الرضا على جميع ما يكون منه من معصية وهوى لجهله بالتفضيل وقلة فهمه بعلم التأويل، ولاتباعه ما تشابه من التنزيل طلباً للفتنة وغربة الحال وابتداعاً في القول والفعال، لأن أوقاته قد ذهبت فلا يذهب وقت غيره بذكرها، وبطلان قول هذا عند العلماء أظهر من أن يدل على فساده، والاشتغال بالبطال بطالة، وإنما الرضا فيما كان غير مخالفة لله ولا معصية مثل مايكون من نقص الدنيا ونقص الأموال والأنفس من الأهل والولد، وفيما على النفس فيه مشقة ولها منه كراهة، وفيما كان مزيداً في الآخرة لا عقوبة فيه من الله ولا وعيد عليه ولا ذم لفاعليه، وقد يحتج أيضاً بطال لبخله وقلّة مواساته وبذله أو يعتل لاتساعه في أمر الدنيا واستئثاره على الفقر، إنّ الذي يمنعه من البذل والإيثار والزهد فيما في يديه والإخراج رضاه بحاله وقلّة اعتراضه على مجريه فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>