للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، يصلح أنّ يبغضك المنافقون كما تبغضهم أنت، فكأنك تتحبب إلى المؤمنين حتى يحبوك وتتبغض إلى المنافقين حتى يبغضوك بإظهار التباعد عنه وبترك الممالاة له وبنصحك إياهم، فيدل ذلك على قوة إيمانك، لم تأخذك في الله لومة لائم منهم، كما وصف تعالى بذلك من يحبهم ويحبونه، ويكون ذلك أبعد لك من المداهنة والنفاق، وأقرب إلى الورع والإخلاص فإذا فعلت ذلك بهم أبغضوك أو مقتوك، فهذا على معنى ما قال الله سبحانه: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رَحَمَاءَ بَيْنَهُمْ) الفتح: ٢٩، وقال: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ) المائدة: ٥٤، وكما أمر نبيه عليه السلام في قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجدوا فيكْمْ غِلْظَةً) التوبة: ١٢٣ وروي عن عيسى عليه السلام أنّ الله عزّ وجلّ قال: أحبّ عبادي إليّ الذين يذكروني بالأسحار ويبغضون إلى الفجار، معناه أن يظهرلهم البغض وينابذهم العداوة حتى يبغضوه، فإذا أبغضوه أبغضهم الله، فيكون بغضهم إليه بهذا المعنى أي كان سبب عقوبة لهم بالبغض والمقت، وقد كان الثوري يقول: إذا رأيت الرجل محبّباً إلى جيرانه فاعلم أنه منافق، وقال كعب الأحبار لأبي إدريس الخولاني وكان من علماء الشام: كيف أنت في قومك؟ قال يحبوني ويكرموني قال كعب: ما صدقتني التوراة إذن قال: وما في التوراة؟ قال أجد في التوراة أنّ الرجل العالم لا يحبه جيرانه، وقال بعض المريدين: قلت لبعض أهل المعرفة: أني كثير الغفلة عن الله قليل المسارعة إلى مرضاته، أوصني بشيء أعمله أدرك به ما يفوتني من هذا، قال: يا أخي، إن استطعت أن تتحبب إلى أولياء الله وتتقرب من قلوبهم فافعل، لعلهم يحبونك فإنّ الله عزّ وجلّ ينظر إلى قلوب أوليائه في كل يوم سبعين نظرة، فلعله أن ينظر إليك في قلوبهم لمحبتهم لك فيجيرك جيرة الدنيا والآخرة، إذا لم تكن ممن ينظر إليه كفاحاً، وكذلك يقال: إنّ الله تعالى عزّ وجلّ ينظر إلى قلوب الصدّيقين والشهداء مواجهة، ثم ينظر إلى قلوب قوم في قلوب قوم وإلى قلوب قوم من قلوب آخرين، فهكذا عندي من عزائم الدين وسبيل الورعين أن تتبغض إلى أعدائه وتتمقت إليهم من المبتدعين والظالمين، ليبغضوك ويمقتوك، فيكون لك من القربة كحبّ أوليائه لك وحبك لهم، فهذا من أسباب ولاية الله.

وقد روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، لا تجعل لفاجر عندي يداً فيحبه قلبي، ووصل بعض الأمراء أبا هريرة بألف دينار وعشرة أثواب فردها عليه وقال، ما كنت لأقبل منه يأخذ المال من غير حله ويضعه في غير حقه، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ردوا هدية الفاجر

<<  <  ج: ص:  >  >>