للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه لا يرى أنكم ترضون عمله، وأقلّ مالك في هذا الزهد وهو باب كبير من أبواب الدين، إذا كانت المداهنة والممالأة من أكبر أبواب الدنيا، لأنّ بذلك يستوي عيش أهل الدنيا وتتم سلامتها لهم، فهذا هوالطرف الآخر من معنى قوله: الحبّ في الله والبغض في الله، وهو وجه غامض، ومعناه إذا كشف جلي ظاهر موجود عند علماء الآخرة، وقد جعل الله منْ أراد أن يحبه الفاسقون ويأمن فيهم، وجعل من يسارع بالأدهان وإظهار المتابعة للظالمين خشية دور الدوائر عليه علمين من أعلام النفاق، فقال سبحانه: (سَتَجِدُونَ آخَرينَ يُريدُونَ أَنْ يَأْمَُُنوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فيهَا) النساء: ٩١، وقال تعالى في المعنى الثاني: (فَتَرَىَ الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المائدة: ٥٢، يعني المافقين: (يُسَارعُونَ فيهِمْ) المائدة: ٥٢، يعني يواطئون الكافرين سراً: (يَقُولُونَ نَخْشى أَن تُصيَبنَا دَائِرةٌ) المائدة: ٥٢، أي نخاف أن تكون الدولة للكافرين على المؤمنين، قال تعالى: (فَعَسَى اللهُ أنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أو أَمْر مِنْ عِنْدِهِ) المائدة: ٥٢، فينبغي لمن آمن في المؤمنين وأهل السنّة وأحبوه أن يخاف في المنافقين وأهل البدع أن يبغضوه، وينبغي لمن سارع في مواطأة المؤمنين أن ينئ ويبطئ في مداهنة الظالمين ومتابعتهم، حتى يخلص له إيمانه من النفاق وتستقيم طريقه من الضلال، وقد نفى الله الإيمان عمن أحبّ من حادّه، وأثبت الإيمان والتأييد باليقين لمن أبغض فيه أعداءه، فقال تعالى: (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُوَلهُ) المجادلة: ٢٢ الآية، فأمّا من قال من الجاهلين بأنَّ الرضا قد يكون بالمعاصي منه أو من سواه، كما يكون في الطاعات، فقد جعل المعاصي والمخالفات من القربات وسوّى بينهما، وفي هذا هدم شرائع الأنبياء وإبطال تفصيل الله ما أحل لنا مما حرم علينا، وما أمرنا به مما نهانا، وقد روي في خبر: من شرّ الناس منزلة عند الله من يقتدي بسيّئة المؤمن ويترك حسنته، وقال بعض العلماء: من حمل شاذ العلماء فقد حمل شرًّا كثيراً، ومن حسن الأدب في المعالمة إذا عملت صالحًا فقل: يا سيدي، أنت استعملتني وبحولك وقوتك وحسن توفيقك أطعتك، لأنّ جوارحي جنودك، وإذا عملت شيئاً ظلمت نفسي، وبهواي وشهوتي اجترحت جوارحي وهي صفاتي، ثم يعتقد في ذلك أنه بقدره ومشيئته كان ما قضاه، فتكون بالمعنيين قد وافقت مرضاة مولاك وتكون في الحالين عاملاً بما يرضيه بالقول والعقود، وينتفي عنك العجب في أعمال برك ويصح منك المقت لنفسك واعترافك بظلمك، وقد ثقلت هذه المشاهدة على الجاهل، فإذا عمل حسناً شهد نفسه ونظر إلى حوله وقوّته، فهلك بالكبر وبطل عمله بالعجب، وإذا عمل سيئّاً لم يعترف بالذنب ولم يقرّ على نفسه بالظلم، ولم تصح له توبة ولم يرض له عملاً، نعوذ بالله من مشاهدة الضلال،

<<  <  ج: ص:  >  >>