للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: إذا عمل العبد حسنة فقال: يا رب أنت استعملتني، شكر الله له ذلك فقال: أنت عملت، فإذا نظر إلى نفسه فقال أنا عملت، يقول الله بل أنا استعملت، قال وإذا عمل سيئّة فقال: أنت قدّرت وأنت أردت، يقول الله تعالى: أنت ظلمت وأنت عصيت بشهوتك وهواك، فإن قال العبد: ظلمت نفسي وعصيت بجهلي استحيا الله منه فقال: بل أنا قدرت وأنا قضيت، قد غفر لك باعترافك بالظلم على نفسك، فهذه آداب العاملين ومشاهدة العالمين، وهذا داخل قي قوله: أعرفكم بربه أعرفكم بنفسه، فكذلك يحب ابن آدم ممن عامله الاعتراف والتواضع، وهذا أيضاً أحد المعاني في قوله تعالى: (وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوِبهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحَا وآخرَ سيًّئاً) التوبة: ١، ٢، قيل: هو الاعتراف عقيب العمل السيّئ لأنه قد تقدم ذكره فكان الصالح بعده اعترافه.

وفي الحديث الذي رويناه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنفاً أنّه قال: من نظر إلى من فوقه في الدين وإلى من دونه في الدنيا، كتبه الله صابراً شاكراً، ومن نظر إلى من دونه في الدين ومن فوقه في الدنيا، لم يكتبه صابراً ولا شاكراً، فيه أربعة معان حسان إذا تدبرها العبد وتفكّر فيها لم يعدم أن يرى أهلها، لأنه لا يخلو أن يرى بعينه أو بقلبه لسيرة المتقدمين، فيرى من فوقه في باب الدنيا فيشكر الله على حاله ويقنع منه برزقه فيكون صابراً شاكراً بمعرفة ما قنع به، ورضي باختيار ما صرف عنه من الفضول، وروي عنه من الحساب الطويل، ولا يخلو أن يرى من فوقه في أمر الدين يسارع إليه ويسابقه إذ قد ندب إلى ذلك، فيكون حضَّاً له وحثَاً على افتعال الخيرات وأعمال الصالحات، وأقل ما يفيده ذلك الإزراء على نفسه والمقيت لها في تقصيره، ثم ينظر في الأمرين الآخرين من وجه آخر، فلا يخلو أن يرى من هو دونه في الدنيا من ذوي الفاقات والحاجات، فيحمد الله على تفضيله عليه وحس صونه له ويشكر نعمته لفضل إحسانه وكفايته له، ويجد أيضاً في المعنى الآخر من هو دونه في أمر الدين من الفجرة والظالمين وأهل البدع والزائغين، فيفرح بفضل الله ورحمته ويشكر الله على حسن إسلامه وجميل معافاته مما ابتلي به غيره، فيكون أيضاً صابراً شاكراً، فيكون للعبد في هذه الطبقات من الناس أربع معاملات بما وهب الله من البصيرة والاعتبار، ويشهد لما ذكرناه قوله: لا حسد إلاّ في اثنين؛ رجل آتاه الله حكمة فهو يبثها في الناس ويعملها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وفي لفظ حديث آخر: ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول

<<  <  ج: ص:  >  >>