للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستحسن لأفعاله، ثم اللهج بذكره ومحبة من يذكره ومجالسة من يذكره، ودوام التشكي والحنين إليه وخلو القلب من الخلق، وسبق النظر إلى الخالق في كل شيء، وسرعة الرجوع إليه بكل شيء، ووجد الأنس به عند كل شيء، وكثرة الذكر له والتذكر بكل شيء، ومن علامة المحبة طول التهجد، وروي عن الله سبحانه: كذب من ادّعى محبتي إذا جنه الليل نام عني، إلاّ أنّ بعضهم جعل سهر الليل في مقام بعينه، ذكر له هذا الخبر فقال: ذاك إذا أقامه مقام الشوق فأما إذا أنزل عليه السكينة وأواه بالأنس في القرب، استوى نومه وسهره، ثم قال: رأيت جماعة من المحبين، نومهم بالليل أكثر من سهرهم، وإمام المحبين وسيد المحبوبين رسوله الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينام مثل ما يقوم، وقد يكون نومه أكثر من قيامه ولم يكن تأتي عليه ليلة حتى ينام فيها، ومن المحبة الخروج إلى الحبيب من المال بالزهد في الدنيا، والخروج إليه من النفس بإيثار الحق على جميع الأهواء، وقال الجنيد: علامة المحبة دوام النشاط والدؤوب بشهوة يفتر بدنه ولا يفتر قلبه، وقد قال بعض السلف: العمل عن المحبة لا يداخله الفتور، وقال بعض العلماء: والله ما استسقي محب لله من طاعته ولو حل بعظيم الوسائل، ومن المحبة التناصح بالحق والتواصي به والصبر

على ذلك، كما وصف تعالى الرابحين من الصالحين، فقال تعالى: (إِنَّ الإنْسَانَ لَفي خُسْرٍ) (إِلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَبْرِ) العصر: ٢ - ٣، لأن المحبين ليسوا كمن وصفه في قوله تعالى: (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْألَكُمْ أَمْوَالَكُمْ) (إِنْ يَسْألكُموهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ) محمد: ٣٦ - ٣٧ يعني أن يسألكم محبوبكم من الأموال ويستقصي عليكم يخرج أحقادكم عليه. على ذلك، كما وصف تعالى الرابحين من الصالحين، فقال تعالى: (إِنَّ الإنْسَانَ لَفي خُسْرٍ) (إِلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَبْرِ) العصر: ٢ - ٣، لأن المحبين ليسوا كمن وصفه في قوله تعالى: (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْألَكُمْ أَمْوَالَكُمْ) (إِنْ يَسْألكُموهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ) محمد: ٣٦ - ٣٧ يعني أن يسألكم محبوبكم من الأموال ويستقصي عليكم يخرج أحقادكم عليه.

وروينا في مقرأ ابن عباس: ويخرج أضغانكم؛ يعني الأموال، فلو لم يدخل على هؤلاء الضعفاء إلا الشرك في محبة الأموال والشغل بها عن ذكر ذي الجلال، فخسروا ما ربح المخلصون من الأحباب، وفاتهم ما أدرك الصالحون من طوبى وحسن مآب، فالله تعالى يسأل أحبابه أموالهم وأنفسهم حتى لا يبقى لهم محبوب سواه ولئلا يعبدوا إلاّ إيّاه محبة منه وكشفاً لمحبتهم واختباراً لأخبارهم في صدقهم وصبرهم، ولأنه جواد ملك لايسأل إلا كلية الشيء وجملته، وهو غيور لا يحب أن يشركه سواه في محبته، فلا يصبر عليه إلاّ من عرفه ولا يحبه إلا من صبر عليه، ولا يرضى بحكمه فيه إلاّ من أيقن به، إلاّ أنه لا يسأل الجملة كلها إلا لمن أحبه المحبة الخاصة، وذلك كله من نظام حكمته، وقيل لبعض المحبوبين وكان قد بذل المجهود في بذل ماله ونفسه، حتي لم يبقَ عليه منها بقية: ما كان سبب حالك هذه من المحبة؟ فقال: كلمة سمعتها من خلق لخلق عملت بي هذا البلاء، قيل: وما هي؟ قال: سمعت محبّاً قد خلا بمحبوبه وهو يقول: أنا والله أحبك بقلبي كله، وأنت معرض عني بوجهك كله، فقال له المحبوب: إن كنت تحبني فأي شيء تنفق عليّ فقال: ياسيدي، أملّكك ما أملك، ثم أنفق عليك روحي حتى تهلك، فقلت:

<<  <  ج: ص:  >  >>