للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعترافاً بما أنعم عليه، واتباعاً لسنّة نبيّه فيه ولا يكون واقفًا مع طبع ولا جاريًا على العادة، وقال أبو عبدة بن عقبة: من سرّه أن يكمل عمله فليحسن نيته، فإن الله عزّ وجلّ يأجرالعبد إذا حسنت نيته حتى باللقمة، فأحسن تفسير النية بما فسرّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن الإحسان فقال: تعبد الله كأنك تراه فهذه شهادة العارفين ومعرفة الموقنين، فهم مخلصو المخلصين، وقال ابن المبارك: ربّ عمل صغير تعظمه النية، وقال بعضهم: القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من حركات الأعمال بالصلاة والصيام ونحوه، وقال الأنطاكي: إذا صارت المعاملة إلى القلب استراحت الجوارح، وروي عن عليّ عليه السلام: من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه، ومن كان باطنه أرجح من ظاهره ثقل ميزانه يوم القيامة، وقال داود الطائي: رأيت الخير كله يجمعه حسن النية فكفاك به خيرًا، وإن لم ينصب، وروي عن الحسن في تفسير قوله تعالى: (وَآتيّنَاهُ أَجْرَهُ في الدُّنْياَ) العنكبوت: ٢٧، قال: نيته الصادقة اكتسب بها الأجر في الآخرة.

وروي عن عبد الرحمن بن مربح قال: من قام إلى شيء من الخير لا يريد به إلاّ الله عزّ وجلّ، ثم عرض له من يريد أن يرائيه بذلك أعطاه الله عزّ وجلّ بالأصل، ووضع عنه الفرع، ومن قام إلى شيء من الخير لا يريد إلاّ المراءاة ثم فكر وبدا له فجعل آخر ذلك لله عزّ وجلّ أعطاه الله تعالى بالفرع ووضع عنه الأصل، كأنه حسب ذلك توبة؛ والتوبة مكفرة لماسلف والله أعلم، وقد تلتبس الفضائل بالمناقص لدقة معانيها وخفيّ علومها كصلاة العبد النفل وهو يحسب أنه الأوجب، من ذلك أن رجلاً كان يصلّي فدعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجبه فظن أنّ وقوفه بين يدي الله تعالى بالغيب أفضل له، فلما سلم جاءه فقال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما منعك أن تجيبني حين دعوتك؟ فقال: كنت أصلّي، فقال: ألم تسمع قول اللّّه تعالى: (اسْتجيبوُا لله وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُم لِمَا يُحييكُمْ) الأنفال: ٢٤؟ فكان إجابة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل له، لأن صلاته نافلة وإجابة الرسولصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض عليه، قال بعضهم: من كان طلب الفضائل أهم إليه من أداء الفرائض فهو مخدوع، ومن شغل بغيره عن نفسه فقد مكر به، وقال سفيان: إنماحرموا الوصول بتضييع الأصول: فأفضل شيء للعبد معرفته بنفسه، ثم وقوفه على حده، ثم إحكامه لحاله التي أقيم فيها، ثم قيامه بعلمه الذي فتح له، فيبتدئ العمل بما افترض عليه بعد اجتنابه مانهى عنه مبلغ علمه ووسع وجده، لا يشتغل بطلب فضل حتى يحكم عمل فرض، لأن الفضل ربح لا يصحّ إلا بعد رأس المال، ولكل فضل آفة قاطعة، فمن سلم منها حاز فضله، ولكل أمر نفيس مؤونة ثقيلة، فمن تحملها أدرك نفيسها، ومن تعذرت عليه السلامة فهيهات أن يصير إلى فضل كرامة، ومن لم يصبر على تحمل غرامة لم يدرك علوّ مقامه، وقد يلتبس

<<  <  ج: ص:  >  >>