المنزل لشقيق: رحمك الله ماأردت إليّ هذا؟ فقال: أردت أن أجرّب توحيد أصحابي أي كلهم، لا يراه فيما صنع ولا ينظرون إليه فيما قدّم إلاّ ذلك الغلام وحده.
وحدثونا عن موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ياربّ جعلت رزقي هكذا على أيدي بني إسرائيل يغديني يوماً هذا ويعشّيني هذا الليلة، فأوحى الله إليه: هكذا أصنع بأوليائي أجري أرزاقهم على أيدي الطالبين من عبادي ليؤجروا فيهم، والعالم القاعد عندهم أفضل من الجاهل المتصرف، والعالم المتكسّب أفضل من القاعد الجاهد، والقوي التارك للتصرف أفضل عندهم من الضعيف المتصرف، والقوي المتصرّف أفضل من الضعيف التارك للتصرف.
وقد جعل الله المستحقين للعطاء ستة، ذكرهم في آيات ثلاث، فقال عزّ وجلّ في الآية الأولى:(إنما الصدقات للفقراء والمساكين) التوبة: ٦٠ وقال في الثانية: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) الذاريات: ١٩، وقال في الثالثة:(فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) الحج: ٣٦، فمن لامعلوم له من تكسّب أو تصرّف فهو أدخل شيء في هذه الآيات وأحوج أحد إلى الإعطاء، ومن كان ذا معلوم يحتاج إلى أكثر منه لفضل عيلة أو كثرة نفقة فإنه يدخل بمعنى من أوصافهم، وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول في الآية: إنما الصدقات للفقراء والمساكين نزلت في أهل الصفة، ومن كان في معناهم إلى يوم القيامة، وكانوا أربعمائة وخمسين رجلاً لم تكن لهم عشائر بالمدينة ولا أموال كالمهاجرين والأنصار، وكانوا نزاع القبائل، أسكنهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفّة المسجد، وقسم اللّّه عزّ وجلّ لهم الأموال، ثم إنّ الله سبحانه وتعالى أفرد طبقة سابعة عن جمل هؤلاء الستة، ووصفهم بأحسن الصفات، وفضّل أجور المتّقين بطيب الاكتساب عليهم الطالبين وجه الله عزّ وجلّ فقال:(يَاأَيُّهَا الذَّينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ) البقرة: ٢٦٧ وقال: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إليْكُمْ) البقرة: ٢٧٢، وكل هذا متصل متعلق بقوله عزّ وجلّ:(للفُقَراءِ الَّذينَ أُحْصِرُوا في سَبيلِ الله لاَ يَسْتَطيعُونَ ضَرْباً في الأَرْضِ) البقرة: ٣٧٢، إلى آخر أوصافهم، فوصفهم بالإحصار في سبيله وبالعفة عن الدنيا وأبنائها، وأنهم لا يلتحفونها التحافاً لزهدهم فيها وسمى من لا يعرف أوصافهم جاهلاً؛ فهذه الطائفة فوق الطبقات الموسومة بالصدقات المقسوم عليها الزكوات، بل أمر المؤمنين بالإنفاق عليهم من الاكتساب للطيّبات من بعد وصف أحسن الخالقين لهم، والله تبارك وتعالى لا يحبّ عبداً إلاّ وصفه، فإذا مدحه بوصف وأثنى عليه ثبتت محبته له في المدح والوصف، دليل على الحبّ والمحبّة، تدل على الفضل العظيم، كما قال تعالى في آخر وصف المحبين:(ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) المائدة: ٥٤ وقد قال بعض الصوفية في معنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يد المعطي هي العليا ويد المعطى