للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أليس هو البيت الذي ذكره الله في كتابه. ونصَّ عليه في خطابه. فقال تعالى:) سُبحان الذي أسْرى بِعَبْده لَيْلاً مِنَ الَمسجِد الحَرَام إلى الَمسْجدِ الأَقْصَى الّذي بَاَرَكْنَا حَوْلَهُ (.

أليس هو البيت الذي عظمته الملل وأثنت عليه الرسُل. وتُليتْ فيه الكُتُبُ الأَربعة المنزَّلة من إِلهكم عز وجلّ.

أليس هو البيت الذي أمسك الله عزَّ وجل فيه الشمس على يوشع لأجله أن تغرب. وباعد بين خطواتها ليتيسر فتحه ويقرب.

أليس هو البيت الذي أمر الله موسى أنْ يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلاّ رجلان. وغضب الله عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبةً للعصيان.

فاحمدوا الله الذي أمضى عزائمكم لما نكلت عنه بنو إسرائيل وقد فضلهم على العالمين. ووقفكم لما خذل " فيه " من كان قبلكم من الأمم الماضين. وجمع لأجله كلمتكم وكانت شتى. وأغناكم بما أمضته كأن وقد عن سوف وحتى.

فليهنكم أن الله قد ذكركم به فيمن عنده. وجعلكم بعد أن كنتم جنوداً لأهويتكم جنده. وشكر لكم الملائكة المنزلون على ما أهديتم إلى هذا البيت من طيب التوحيد. ونشر التقديس والتحميد. وما أمَطْتُم عن طُرُقِهِم فيه من أذى الشرك والتثليث. والاعتقادِ الفاسد الخبيث. فالآن تستغفر لكم أملاك السماوات. وتصلي عليكم الصلوات المباركات.

فاحفظوا - رحمكم الله - هذه الموهبة فيكم واحرسوا هذه النعمة عندكم بتقوى الله التي من تمسك بها سلم. ومن اعتصم بعُروتها نجا وعُصم. واحذروا من اتباع الهوى، وموافقة الرَّدى. ورجوع القهقري والنكول عن العدَى. وخُذوا في انتهاز الفُرصة. وإزالة ما بقي من الغصة. وجاهدوا في الله حق جهادِه. وبيعوا، عباد الله، أنفسكم في رضاه إذ جعلكم من عباده. وإياكم أن يستزلكم الشيطان. وأن يتداخلكم الطغيان. فيخيل لكم أن هذا النصر بسيوفكم الحداد. وبخيولكم الجياد. وبجلادكم في مواطن الجلاد. والله ما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حكيم.

واحذروا - عباد الله - بعد أن شرفكم بهذا الفتح الجليل والمنح الجزِيل. وخصكم بهذا النصر المبين. وأعلق أيديكم بحَبْلِهِ المتين. أن تقترفوا كبيراً من مناهيه. وان تأتوا عظيماً من معاصيه. فتكونوا) كالَّتي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً (، والذي) آياَتنا فاْنْسَلَخ مِنْهَا فأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ منَ الْغَاوين (.

والجهاد الجهاد، فهو من أفْضَل عِباداتكم. وأشرف عاداتكم. انصروا الله ينصركم اذكروا أيام الله يذكركم. اشكروا الله يزدكم ويشْكُركم. خذوا في حسم الداء. وقطع شأْفَة الأعْداء. وتطهير بقية الأرض التي أَغْضبتِ الله ورسوله. واقطعوا فروع الكفر واجتثوا أصوله. فقد نادت الأيام بالثارات الإسلامية. والملة المحمدية. الله أكبر. فتح ونصر. وغلب الله وقهر. أذل الله من كفر.

واعلموا - رحمكم الله - أن هذه فرصةٌ فانتهزوها. وفريسةٌ فناجزوها. وهمهٌ فأخرجوا لها هممكم وأبرزوها. وسيروا إليها سرايا عزماتكم وجهزوها. فالأمور بأواخرها. والمكاسب بذخائرها. فقد أظفركم الله بهذا العدو المخذول وهم مثلكم أو يزيدون. فكيف وقد أضحى في قبالة الواحد منهم منكم عشرون. وقد قال الله تعالى:) إن يكن منكم عشرونَ صابرون يغْلبُوا مائتين (أعاننا الله وإياكم على اتباع أوامره والازدجار بزواجره. وأيدنا معشر المسلمين بنصر من عنده:) إن ينْصُرْكم اللهُ فلاَ غالب لكُم، وإن يخذُلكم فمنْ ذا الذي ينْصُرُكم منْ بعْده (.

وتمامْ الخُطبة والخُطبة الثانية قريب مما جرت به العادةُ من الدعاء للخليفة والسلطان.

رجعنا ولم يزال القدس في يد الملك الناصر، بعد أن فتحه، إلى أن أقطع البلاد بين أولاده. فكان للملك الأفضل منْ دمشق إلى العريش، خلا الكرك والشورك، فإنهما كانا للملك العادل. فأقطع القدس عز الدين جُرديك النوري.

ثم حصل بينه وبين أخيه العزيز شنأن، ونفرت أكابر الأمراء الصلاحية، فخرج فارس الدين ميمون القصري، وسنقر الكبير فقطعا نابلس مع غيرهما فلحقوا بالعزيز وحرضوه على قصد الأفضل.

فخرج من مصر بعد أن أقطع القدس علم الدين قيصر وذلك في سنة تسعين، يريد دمشق، فطرأ بينهما ما حكيناه في " أمراء دمشق ".

ثم وقع الاتفاق على أن تبقى فلسطين للعزيز، والأردن للأفضل، وعاد العزيز إلى مصر.

<<  <   >  >>