للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحمد لله معز الإسلام بنصره. ومُذل الشرك بقهره. ومُصرَّفِ الأمور بأمره. ومديم النعم بشكره. ومستدرجِ الكافرين بمكره. الذي قدر الأيام دولاً بعدله. وجعله العاقبة للمتقين بفضله وأفاء على عباده من ظله. وأظهر دينه على الدين كله. القاهر فوق عباده فلا يمانع. والظاهر على خليقته فلا ينازع. والآمر بما يشاء فلا يراجع. والحاكم بما يُريد فلا يدافع.

أحمدهُ على إظهارهْ. وإعزازه لأوليائه ونصره لأنصاره. وتطهير بيته المقدّس من أدناس الشرك وأوظاره. حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره.

وأشهد أن لاَ إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد. الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد شهادة من طهر بالتوحيد قلبه. وأرضى بها ربه.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رافع الشك. وداحض الشرك وراحض الإفك. الذي أسري به من المسجد " الحرام إلى هذا المسجد " القصى، وعُرج به منه إلى السماوات العُلي. إلى سدرة المنتهي. عندها جنة المأوى. ما زاغ البصرُ وما طغى.

صلى الله عليه وعلى خليفته أبي بكر الصديق السابق إلى الإيمان. وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البلد شعار الصلبان. وعلى أمير المؤمنين عثمان " بن عفان " ذي النورين جامع القرآن. وعلى أمير المؤمنين علي بنْ أبي طالب مُزلزل الشرك ومكسّر الأوثان. وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.

أيها الناس.

أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى. والدرجة العُليا. لما يسره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة. من الأمة الضالة. وردها إلى مقرها من الإسلام. بعد ابتذا لها في أيدي المشركين قريبا ًمن مائة عام. وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه. وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليه رواقه واستقر فيه رسمه. ورفع قواعده بالتوحيد فإنه بني عليه. وبالتقوى فانه أسس على التقوى منْ خلفه ومن بين يديه.

فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام. وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام. وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء. ومقرٌ الرسل ومهبط الوحي. ومنزل ينزل " به " الأمر والنهي. وهو في أرض المحشر. وصعيد المنشر. وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين. وهو المسجد الذي صلى فيه رسول الله عليه وسلم بالملائكة المقربين. وهو البلد الذي بعث الله إليه عبده ورسوله، وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه " عيسى " الذي شرف الله برسالته. وكرمه بنبوته. ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته. فقال تعالى:) لَنْ يَسْتَنْكفَ المسَيحُ أنْ يَكُونَ عَبْداً لله (. وقال:) لقد كَفَر الّذين قالوا إِن الله هو المسيحُ ابنُ مَرْيَم (.

وهو أول القبلتين. وثاني المسجدين. وثالث الحرمين. لا تشدّ الرحالُ بعد المسجدين إلاّ إليه. ولا تعقدُ الخناصر بعد المواطَنيْن إلاّ عليه. ولولا أنكم ممن اختاره الله من عباده. واصطفاه منْ سكان بلاده. لما خصكم بهذه الفضيلة التي لا يجاريكم فيها مجار. ولا يباريكم في شرفها مبار. فطوبى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية. والوقعات البدرية. والعزمات الصديقية. والفتوحات العمرية. والجيوش العثمانية. والفتكات العلوية. جددتم للإسلام أيام القادسية. والوقعات اليرموكية. والمنازلات الخيبرية. والهجمات الخالدية.

فجازاكم الله عن نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الجزاء. وشكر لكم ما بذلتموه من مُهجكُم في مقارعة الأعداء. وتقبل منكم ما تقربتم به إليه من مُهراق الدماء. وأثابكم الجنة فهي دار السعداء. واقدروا - رحمكم الله - هذه النعمة حق قدرها. وقوموا لله تعالى بواجب شكرها. فلهُ الفضل والنعمة عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة. وترشيحكم لهذه الخدمة. فهذا هو الفتح الذي فتحت لهُ أبواب السماء. وتبلت بأنواره وجوه الظلماء. وابتهج به الملائكة المقربون. وقر به عيناً الأنبياء والمرسلون. فإذا عليكم من النعمة بأن جعلكم الجيش الذي يفتح عليه البيت المقدس في آخر الزمان. والجند الذي تقوم بسيوفهم بعد فترة من الرسل قواعد الإيمان. فيوشك أن تكون التهاني به بين أهل الخضراء أكثر من التهاني به بين أهل الغبراء.

<<  <   >  >>