للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الفقيه الوزير أبو الحسن عليّ بن ظافر بن حسين المعروف بابن أبي المنصور يصف قلعة حلب من قصيدة مدح بها الملك الظاهر بن يوسف بن أيّوب:

وَفَسِيحَةُ الأَرْجآءِ سامِيَةُ الذُرَى ... قَلَبَتْ حَسِيؤاً عَنْ عُلاها الناظِرا

كادَتْ لِفَرْطِ سُمُوِّها وَعُلُوِّها ... تَسْتَوْقِفُ الفَلَكَ المُحِيطَ الدائرا

وَرَدَتْ قَواطِنُها المَجَرَّةَ مَنْهَلاً ... وَرَعَتْ سَوابِقُها النُجومَ أزَاهِرا

شَمَّآءُ تَسْخَرُ بِالزَمانِ وَطالَما ... بِشواهِقِ البُنيانِ كانَ الساخِرا

وَيَظَلُّ صَرْفُ الدَهْرِ مِنْها خائِفاً ... وَجِلاً فَما يُمْسِي لَدَيْها حاضِراً

وَيَشُوقُ حُسْنُ رَوائِها مَعَ أَنَّها ... أَفْنَتْ بِصِحَتِها الزَمانَ الغابِرا

فَلأَجْلِها قَلْبُ الزَمانِ قَدِ انْثَنَى ... قَلِقَاً وَطَرْفُ الجَوِّ أمْسَى ساهِراً

غَلاَّبَةٌ غُلْبَ المُلُوكِ فَطالَما ... قَهَرَتْ مَنِ اغْتَصَبَ المَمالِكَ قاهِرا

غَنِيَتْ بِجُودِ مَلِيكِها وَعَلَتْ بِهِ ... حَتَّى قَدِ امْتَطَتِ الغَمامَ الماطِرا

فَتَرَت وَتَسْمَعُ للِغَمتمِ بِبَرْقِهِ ... وَالرَعْدِ لَمْعاً تَحْتَها وَزَماجِرا

وأنشد لي الشيخ الإمام العالم الفاضل بهاء الدين محمّد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر بن النحّاس الحلبيّ لنفسه يتشوّق حلب:

سَقَى حَلَبَاً سُحْبٌ مِنَ الدَمْعِ لَمْ تَزَلْ ... تَسُحُّ إذا شَحَّ السَحابُ غَمائِما

وَحَيَاً الحَيا قِيعانَها وَأَكامَها ... وَأَخْرَجَ فِيها لِلرَبِيعِ كَمائِما

بِلادٌ بِها قَضَّيْتُ لَهْوي وَصَبْوَتِي ... وَصاحَبْتُ فِيها العِيشَ جَذْلانَ ناعِما

وَأَوَّلُ أَرْضٍ مَسَّ جَلَدِي تُرابُها ... وَعَقَّ بِها عَنِّي الشَبابُ تَمائِما

وله أيضاً:

سَقَى زَماناً تَقَضَّى فِي رُبا حَلَبٍ ... مِنَ السَحابِ مُلَثُّ المُزْنِ هَطَّالُ

وَلا عَدا رُبْعَها غِيثٌ يُراوِحُهُ ... يَجُثُّهُ مِنْ حُداةِ الرَعْدِ أَزْجالُ

مَنازِلٌ لَمْ أَزَلْ أَلهُو بِمَرْبَعِها ... بِها نَعَمْتُ فَلا حالَتْ بِها الحالُ

أَصْبُو إِلَيْها وَلا أُصْغي لِلائِمةٍ ... ما لَذَّةُ العِشقإِلاَّ القِيلُ وَالقالُ

فصل. - قد أوردنا في وصف حلب وقلعتها من المنظوم محاسن ما وقفنا عليه وأوصلتنا الاستطاعة إليه ورأينا ما أثبتناه منه وإن كان قليلاً كافياً ولما يلحق النفوس من داء التضجّر شافياً ولا غِنى له عن أن يُضاف إليه من المنثور ما يفوق الدرّ ويزيّن لو رُصّع في التيجان الجباه الغرّ إذ هو حليفه وصديقه لا بل توءمه وشقيقه فربّ مؤخّر يُراد به التقديم ومصغّر وفُر حظّه من التحبيب والتعظيم.

من رسالة للقاضي الفاضل كتب بها عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أخيه الملك العادل أبي بكر محمد بفتح حلب: قد علم المجلس السامي موضع حلب من البلاد وموقعها من المراد وفاتحة النجدة بها من الله في الجهاد وفادحة فتحها في الكفّار والأضداد وكتابنا وقد أُنعم بها ما شفيت للسيف فيها غُلّة ولا أُتي فيها بما يشقّ على أهل الملّة ولا عدَوْنا ما يبني للمسلمين العزّة ويورث عدوّهم الذلّة وعُوّض عماد الدين عنها من بلاد الجزيرة سِنجار ونصِيبين والخابور والرقّة وسَروج فهو صرف بالحقيقة أخذنا فيه الدينار وأعطيناه الدرهم ونزلنا عن السوار وأحرزنا المعصم وكتابنا هذا وقد تمكنّتُ أعلامنا موفيةً على قلعتها المنفية وتفرّقتُ نوّابنا في مدينتها موفّيةً بمواعد عدلنا الجليلة اللطيفة فانتظم الشمل الّذي كان نثيراً وأصبح المؤمن بأخيه كثيراً وذهب الكلال وأُرهف الكليل ونُزع الغُلّ وشفي الغليل.

<<  <   >  >>